الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
وَلَمَّا كَانَ قَصْدُ الشَّارِعِ ضَبْطَ الْخَلْقِ إِلَى الْقَوَاعِدِ الْعَامَّةِ1 وَكَانَتِ الْعَوَائِدُ قَدْ جَرَتْ بِهَا سُنَّةُ اللَّهِ أَكْثَرِيَّةً لَا عَامَّةً، وَكَانَتِ الشَّرِيعَةُ مَوْضُوعَةً عَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ الْوَضْعِ؛ كَانَ مِنَ الْأَمْرِ الْمُلْتَفَتِ إِلَيْهِ إِجْرَاءُ الْقَوَاعِدِ عَلَى الْعُمُومِ الْعَادِيِّ، لَا الْعُمُومِ الْكُلِّيِّ التَّامِّ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ عَنْهُ جُزْئِيٌّ مَا.
أَمَّا كَوْنُ الشَّرِيعَةِ عَلَى ذَلِكَ الْوَضْعِ؛ فَظَاهِرٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ وَضْعَ التَّكَالِيفِ عَامٌّ؟ وَجَعَلَ عَلَى ذَلِكَ عَلَامَةَ الْبُلُوغِ، وَهُوَ مَظِنَّةٌ لِوُجُودِ الْعَقْلِ الَّذِي هُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ لِأَنَّ الْعَقْلَ يَكُونُ عِنْدَهُ فِي الْغَالِبِ لَا عَلَى الْعُمُومِ؛ إِذْ لَا يَطَّرِدُ وَلَا يَنْعَكِسُ كُلِّيًّا عَلَى التَّمَامِ؛ لِوُجُودِ مَنْ يَتِمُّ عَقْلُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَمَنْ يَنْقُصُ وَإِنْ كَانَ بَالِغًا، إِلَّا أَنَّ الْغَالِبَ الِاقْتِرَانُ.
وَكَذَلِكَ نَاطَ الشَّارِعُ الْفِطْرَ وَالْقَصْرَ بِالسَّفَرِ لِعِلَّةِ الْمَشَقَّةِ2، وَإِنْ كَانَتِ الْمَشَقَّةُ قَدْ تُوجَدُ بِدُونِهَا وَقَدْ تُفْقَدُ مَعَهَا3، وَمَعَ ذَلِكَ؛ فَلَمْ يَعْتَبِرِ الشَّارِعُ تِلْكَ النَّوَادِرَ، بَلْ أَجْرَى الْقَاعِدَةَ مَجْرَاهَا، وَمِثْلُهُ حَدُّ الْغِنَى بِالنِّصَابِ، وَتَوْجِيهُ الْأَحْكَامِ