فَصْلٌ:
وَهَذَا الْمَوْضِعُ كَثِيرُ الْفَائِدَةِ1، عَظِيمُ النَّفْعِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُتَمَسِّكِ بِالْكُلِّيَّاتِ إِذَا عَارَضَتْهَا الْجُزْئِيَّاتُ [وَقَضَايَا الْأَعْيَانِ2] ، فَإِنَّهُ إِذَا تَمَسَّكَ بِالْكُلِّيِّ كَانَ لَهُ الْخِيَرَةُ فِي الْجُزْئِيِّ فِي حَمْلِهِ عَلَى وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ فَإِنْ تَمَسَّكَ بِالْجُزْئِيِّ لَمْ يُمْكِنْهُ مَعَ التَّمَسُّكِ الْخِيَرَةُ3 فِي الْكُلِّيِّ؛ فَثَبَتَ فِي حَقِّهِ الْمُعَارَضَةُ، وَرَمَتْ بِهِ أَيْدِي الْإِشْكَالَاتِ فِي مهاوٍ بَعِيدَةٍ، وَهَذَا هُوَ أَصْلُ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ فِي الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ اتِّبَاعٌ لِلْمُتَشَابِهَاتِ، وَتَشَكُّكٌ فِي الْقَوَاطِعِ الْمُحْكَمَاتِ، وَلَا تَوْفِيقَ إِلَّا بِاللَّهِ.
وَمِنْ فوائده سُهُولَةِ الْمُتَنَاوَلِ فِي انْقِطَاعِ الْخِصَامِ وَالتَّشْغِيبِ الْوَاقِعِ مِنَ الْمُخَالِفِينَ.
وَمِثَالُ هَذَا مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْمَجَالِسِ، وَقَدْ وَرَدَ عَلَى "غَرْنَاطَةَ" بَعْضُ "طَلَبَةِ"4 الْعُدْوَةِ الْأَفْرِيقِيَّةِ؛ فَأَوْرَدَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْعِصْمَةِ الْإِشْكَالَ الْمُورَدَ فِي قَتْلِ مُوسَى لِلْقِبْطِيِّ، وَأَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ يَقْضِي بِوُقُوعِ الْمَعْصِيَةِ مِنْهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِقَوْلِهِ: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [الْقَصَصِ: 15] .
وَقَوْلِهِ: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} [القصص: 16] .