كَانَتْ سَبَبًا فِي وُصُولِهَا إِلَيْكَ، وَالْأَسْبَابُ الْمُوَصِّلَةُ ذَلِكَ إِلَيْكَ لَا تَخْتَصُّ بِسَبَبٍ دُونَ سَبَبٍ وَلَا خَادِمٍ دُونَ خَادِمٍ؛ فَحَصَلَ شُكْرُ النِّعَمِ الَّتِي فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَتَصْرِيفُهَا فِي مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ كُفْرَانٌ لِكُلِّ نِعْمَةٍ وَصَلَتْ إِلَيْكَ أَوْ كَانَتْ سَبَبًا فِيهَا كَذَلِكَ أَيْضًا.
وَهَذَا النَّظَرُ ذَكَرَهُ الْغَزَّالِيُّ فِي "الْإِحْيَاءِ"1، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَمْرٍ وَأَمْرٍ وَلَا [بَيْنَ] نَهْيٍ وَنَهْيٍ؛ فَامْتِثَالُ كُلِّ أَمْرٍ شُكْرَانٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَمُخَالَفَةُ كُلِّ أَمْرٍ كُفْرَانٌ على الإطلاق، ثم أَوْجُهٌ أُخَرُ يَكْفِي مِنْهَا مَا2 ذُكِرَ، وَهَذَا النَّظَرُ3 رَاجِعٌ إِلَى مُجَرَّدِ اصْطِلَاحٍ لَا إِلَى مَعْنًى يُخْتَلَفُ فِيهِ؛ إِذْ لَا يُنْكِرُ أَصْحَابُ هذا النظر انقسام الأوامر والنواهي كما يقوله4 الْجُمْهُورُ بِحَسَبِ التَّصَوُّرِ5 النَّظَرِيِّ، وَإِنَّمَا أَخَذُوا فِي نَمَطٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِمَنْ يُقَالُ لَهُ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذَّارِيَاتِ: 56] أَنْ يَقُومَ بِغَيْرِ التَّعَبُّدِ وَبَذْلِ الْمَجْهُودِ فِي التَّوَجُّهِ إِلَى الْوَاحِدِ الْمَعْبُودِ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِي مَرَاتِبِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي يُشْبِهُ الْمَيْلَ إلى مساحة الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ فِي طَلَبِ حُقُوقِهِ، وَهَذَا غَيْرُ لائق بمن لا يملك لنفسه شيئًا فِي6 الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ؛ إِذْ لَيْسَ لِلْعَبْدِ حَقٌّ عَلَى السَّيِّدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ عَبْدٌ، بَلْ عَلَيْهِ بَذْلُ الْمَجْهُودِ، وَالرَّبُّ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ.
فَصْلٌ
وَيَقْتَضِي هَذَا النَّظَرُ التَّوْبَةَ عَنْ كُلِّ مُخَالَفَةٍ تَحْصُلُ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَوْ فِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، فَإِنَّهُ إِذَا ثَبَتَ أَنَّ مُخَالَفَةَ الشَّارِعِ قَبِيحَةٌ شَرْعًا؛ ثَبَتَ أَنَّ المخالف