ظَاهِرٌ.
أَمَّا إِذَا1 كَانَ الْمُبَاحُ مَطْلُوبَ التَّرْكِ بِالْكُلِّ؛ فَعَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، [إِذْ] لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَمِعَ إِلَى الْغِنَاءِ وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهُ مُبَاحٌ إِذَا حَضَرَهُ مُنْكِرٌ أَوْ كَانَ فِي طَرِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَطْلُوبِ الْفِعْلِ فِي نَفْسِهِ، وَلَا هُوَ خَادِمٌ لِمَطْلُوبِ الْفِعْلِ؛ فَلَا يُمْكِنُ2 وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمُكَلَّفُ حَظَّهُ مِنْهُ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ تَرْكِهِ جُمْلَةً، وَكَذَلِكَ اللَّعِبُ وَغَيْرُهُ.
وَفِي كِتَابِ "الْأَحْكَامِ" بَيَانٌ لِهَذَا الْمَعْنَى فِي فَصْلِ الرُّخَصِ، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّحْذِيرِ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا مَعَ عَدَمِ التَّحْذِيرِ مِنِ اجْتِنَابِهَا أَوِ اكْتِسَابِهَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ حَذَّرَ السَّلَفُ مِنَ التَّلَبُّسِ بِمَا يَجُرُّ إِلَى الْمَفَاسِدِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ مَطْلُوبًا بِالْكُلِّ أَوْ كَانَ خَادِمًا لِلْمَطْلُوبِ؛ فَقَدْ تَرَكُوا الْجَمَاعَاتِ وَاتِّبَاعَ الْجَنَائِزِ وَأَشْبَاهَهَا مِمَّا هُوَ مَطْلُوبٌ شَرْعًا، وَحَضَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ عَلَى تَرْكِ التَّزَوُّجِ وَكَسْبِ الْعِيَالِ؛ لِمَا دَاخَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَاتَّبَعَهَا3 مِنَ الْمُنْكَرَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ.
وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ تَرَكَ4 الْجُمُعَاتِ، وَالْجَمَاعَاتِ، وَتَعْلِيمَ الْعِلْمِ، وَاتِّبَاعَ الْجَنَائِزِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَطْلُوبٌ لَا يَحْصُلُ إِلَّا مَعَ مُخَالَطَةِ النَّاسِ،