الْوَجْهِ الْمَقْصُودِ فِيهَا هُوَ الَّذِي صَيَّرَهَا كَذَلِكَ؛ فَإِنَّ كَوْنَ الْأَرْضِ مِهَادًا وَالْجِبَالِ أَوْتَادًا وَجَمِيعَ مَا أَشْبَهَهُ نِعَمٌ ظَاهِرَةٌ لَمْ تَتَغَيَّرْ1؛ فَلَمَّا صَارَتْ تُقَابَلُ بِالْكُفْرَانِ بِأَخْذِهَا عَلَى غَيْرِ مَا حُدَّ2 صَارَتْ عَلَيْهِمْ وَبَالَا، وَفِعْلُهُمْ فِيهَا هُوَ الْوَبَالُ فِي الْحَقِيقَةِ، لَا هِيَ؛ لِأَنَّهُمُ اسْتَعَانُوا بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَى مَعَاصِيهِ.
وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ جَرَى شَأْنُ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا مُثِّلَتْ أَصْنَامُهُمُ الَّتِي اتَّخَذُوهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ بِبَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ فِي ضَعْفِهِ، تَرَكُوا التَّأَمُّلَ وَالِاعْتِبَارَ فِيمَا قِيلَ لَهُمْ حَتَّى يَتَحَقَّقُوا أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ، وَأَخَذُوا فِي ظَاهِرِ التَّمْثِيلِ بِالْعَنْكَبُوتِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إِلَى الْمَقْصُودِ3، وَقَالُوا: {مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا} [البقرة: 26] ؛ فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْحَقِيقَةِ السَّابِقَةِ فِيمَنْ شَأْنُهُ هَذَا بِقَوْلِهِ: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} [الْبَقَرَةِ: 26] .