وَهَكَذَا حُكْمُ سَائِرِ أَحْوَالِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ فِي حِينِ الْإِسْرَافِ؛ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ الْجَالِبُ عَلَى نَفْسِهِ الْمَفْسَدَةَ، لَا نَفْسَ الشَّيْءِ الْمُتَنَاوَلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ غِذَاءٌ تَقُومُ بِهِ الْحَيَاةُ.
فَإِذَا تَأَمَّلْتَ الْحَالَةَ1؛ وَجَدْتَ الْمَذْمُومَ تَصَرُّفَ الْمُكَلَّفِ فِي النِّعَمِ، لَا أَنْفُسِ2 النِّعَمِ إِلَّا أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ آلَةً لِلْحَالَةِ الْمَذْمُومَةِ ذُمَّتْ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ وَهُوَ الْقَصْدُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَصْدِ الْمُكَلَّفِ الْمَذْمُومِ، وَإِلَّا؛ فَالرَّبُّ تَعَالَى قَدْ تَعَرَّفَ إِلَى عَبْدِهِ بِنِعَمِهِ، وَامْتَنَّ بِهَا قَبْلَ النَّظَرِ فِي فِعْلِ الْمُكَلَّفِ فِيهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا مَحْمُودَةٌ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَإِنَّمَا ذُمت حِينَ صَدَّتْ مَنْ صَدَّتْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ3، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ جِهَةَ الِامْتِنَانِ لَا تَزُولُ4 أَصْلًا، وَقَدْ يَزُولُ الْإِسْرَافُ رَأْسًا، وَمَا هُوَ دَائِمٌ لَا يَزُولُ عَلَى حَالٍ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْقَصْدِ الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ مَا قَدْ يَزُولُ؛ فَإِنَّ الْمُكَلَّفَ إِذَا أَخَذَ الْمُبَاحَ كَمَا حُدَّ5 لَهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ وُجُوهِ الذَّمِّ