الموافقات (صفحة 1525)

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ الْمُتَشَابِهُ قَلِيلًا؟ وَهُوَ كَثِيرٌ جِدًّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فُسِّرَ بِهِ آنِفًا؛ فَإِنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِيهِ مِنَ الْمَنْسُوخِ وَالْمُجْمَلِ وَالْعَامِّ وَالْمُطْلَقِ وَالْمُؤَوَّلِ1 كَثِيرٌ، وَكُلُّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ يَحْتَوِي عَلَى تَفَاصِيلَ كَثِيرَةٍ، وَيَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ الْخَبَرُ الْمَنْقُولُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَيْثُ قَالَ: "لَا عَامَّ إِلَّا مُخَصَّصٌ؛ إلا قوله تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الْبَقَرَةِ: 282] "2.

وَإِذَا نَظَرَ الْمُتَأَمِّلُ إِلَى أَدِلَّةِ الشَّرْعِ عَلَى التَّفْصِيلِ مَعَ قَوَاعِدِهَا الْكُلِّيَّةِ أُلْفِيَتْ لَا تَجْرِي عَلَى مَعْهُودِ الِاطِّرَادِ؛ فَالْوَاجِبَاتُ مِنَ الضَّرُورِيَّاتِ أُوجِبَتْ عَلَى حُكْمِ الْإِطْلَاقِ وَالْعُمُومِ فِي الظَّاهِرِ، ثُمَّ جَاءَتِ الْحَاجِيَّاتُ وَالتَّكْمِيلِيَّاتُ وَالتَّحْسِينِيَّاتُ فَقَيَّدَتْهَا عَلَى وُجُوهٍ شَتَّى وَأَنْحَاءٍ لَا تَنْحَصِرُ، وَهَكَذَا سَائِرُ مَا ذُكِرَ مَعَ الْعَامِّ.

ثُمَّ إِنَّكَ لَا تَجِدَ الْمَسَائِلَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّرِيعَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا اخْتُلِفَ فِيهِ إِلَّا الْقَلِيلَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ وَاضِحٌ، وَأَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ غَيْرُ وَاضِحٍ؛ لِأَنَّ مَثَارَ الِاخْتِلَافِ إِنَّمَا هُوَ التَّشَابُهُ يَقَعُ فِي مَنَاطِهِ، وَإِلَى هَذَا؛ فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ مَبْنَاهَا فِي التَّكْلِيفِ عَلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ أَوَّلًا فِي مَعْنَاهُ3، ثُمَّ في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015