الموافقات (صفحة 1502)

تَشَابَهَ مِنَ الشَّرِيعَةِ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهَا، وَهُوَ كُلُّهُ خَطَأٌ عَلَى الدِّينِ، وَاتِّبَاعٌ لِسَبِيلِ الْمُلْحِدِينَ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَدْرَكُوا هَذِهِ الْمَدَارِكَ، وَعَبَرُوا عَلَى1 هَذِهِ الْمَسَالِكِ؛ إِمَّا أَنْ يَكُونُوا قَدْ أَدْرَكُوا مِنْ فَهْمِ الشَّرِيعَةِ مَا لَمْ يفهمه الأولون، وحادوا2 عَنْ فَهْمِهَا وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ الصَّوَابُ إِذِ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ هُمْ كَانُوا عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَلَمْ يَفْهَمُوا مِنَ الْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا إِلَّا مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَهَذِهِ الْمُحْدَثَاتُ لَمْ تَكُنْ فِيهِمْ، وَلَا عَمِلُوا بِهَا؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْأَدِلَّةَ لَمْ تَتَضَمَّنْ هَذِهِ الْمَعَانِيَ الْمُخْتَرَعَةَ بِحَالٍ، وَصَارَ عَمَلُهُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ دَلِيلًا إِجْمَاعِيًّا عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ فِي استدلالاتهم3 وَعَمَلِهِمْ مُخْطِئُونَ وَمُخَالِفُونَ4 لِلسُّنَّةِ.

فَيُقَالُ لِمَنِ اسْتَدَلَّ بِأَمْثَالِ ذَلِكَ: هَلْ وُجِدَ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي اسْتَنْبَطْتَ فِي عَمَلِ الْأَوَّلِينَ أَوْ لَمْ يُوجَدْ؟ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ -وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ- فَيُقَالُ لَهُ: أَفَكَانُوا غَافِلِينَ عَمَّا تَنَبَّهْتَ لَهُ أَوْ جَاهِلِينَ بِهِ، أَمْ لَا؟ وَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَقُولَ بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ فَتْحٌ لِبَابِ الْفَضِيحَةِ عَلَى نَفْسِهِ، وَخَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَإِنْ قَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا عَارِفِينَ بِمَآخِذِ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ، كَمَا كَانُوا عَارِفِينَ بِمَآخِذِ غَيْرِهَا؛ قِيلَ لَهُ: فَمَا الَّذِي حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا عَلَى5 زَعْمِكَ حَتَّى خَالَفُوهَا إِلَى غَيْرِهَا؟ مَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُمُ اجْتَمَعُوا فِيهَا عَلَى الْخَطَأِ دُونَكَ أَيُّهَا المُتَقَوِّل، وَالْبُرْهَانُ الشَّرْعِيُّ وَالْعَادِيُّ دَالٌّ عَلَى عَكْسِ الْقَضِيَّةِ، فَكُلُّ مَا جَاءَ مُخَالِفًا لما عليه السلف الصلاح؛ فَهُوَ الضَّلَالُ بِعَيْنِهِ.

فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ مَا انْتَحَلَهُ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فِي الْأَوَّلِينَ، وَإِذَا كَانَ مَسْكُوتًا عَنْهُ وَوُجِدَ لَهُ فِي الْأَدِلَّةِ مَسَاغٍ؛ فَلَا مخالفة، إنما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015