الموافقات (صفحة 1489)

أَعْمَالَهُمْ، وَكَانَ الْعَمَلُ الْمُسْتَمِرُّ فِيهِمْ مَأْخُوذًا عَنِ الْعَمَلِ الْمُسْتَمِرِّ فِي الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَمِرًّا فِيهِمْ إِلَّا وَهُوَ مُسْتَمِرٌّ فِي عَمَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ فِي قُوَّةِ الْمُسْتَمِرِّ.

وَقَدْ قِيلَ لِمَالِكٍ: إِنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ: إِنَّ التَّشَهُّدَ فَرْضٌ. فَقَالَ: "أَمَا كَانَ أَحَدٌ يَعْرِفُ التَّشَهُّدَ؟ ". فَأَشَارَ إِلَى الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ1 بِأَنَّ مَذْهَبَهُمْ كَالْمُبْتَدِعِ الَّذِي جَاءَ بِخِلَافِ مَا عليه ما تَقَدَّمَ.

وَسَأَلَهُ أَبُو يُوسُفَ عَنِ الْأَذَانِ؛ فَقَالَ مَالِكٌ: "وَمَا حَاجَتُكَ إِلَى ذَلِكَ؟ فَعَجَبًا مِنْ فَقِيهٍ يَسْأَلُ عَنِ الْأَذَانِ"، ثُمَّ قَالَ لَهُ مَالِكٌ: "وَكَيْفَ الْأَذَانُ عِنْدَكُمْ؟ ". فَذَكَرَ مَذْهَبَهُمْ فِيهِ؛ فَقَالَ: "مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا؟ ". فَذَكَرَ لَهُ أَنَّ بِلَالًا لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ سَأَلُوهُ أَنْ يُؤَذِّنَ لَهُمْ، فَأَذَّنَ لَهُمْ كَمَا ذُكِرَ عَنْهُمْ. فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: "مَا أَدْرِي مَا أَذَانُ يَوْمٍ؟ وَمَا صَلَاةُ يَوْمٍ؟ هَذَا مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَلَدُهُ مِنْ بعد يُؤَذِّنُونَ فِي حَيَاتِهِ وَعِنْدَ قَبْرِهِ، وَبِحَضْرَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ"2.

فَأَشَارَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَثَبَتَ مُسْتَمِرًّا أَثْبَتُ فِي الِاتِّبَاعِ وَأَوْلَى أَنْ يُرْجَعَ إِلَيْهِ3.

وَقَدْ بَيَّنَ فِي "الْعُتْبِيَّةِ"4 أَصْلًا لِهَذَا الْمَعْنَى عَظِيمًا يَجِلُّ مَوْقِعُهُ عِنْدَ مَنْ نَظَرَ إِلَى مَغْزَاهُ، وَذَلِكَ أنه سئل عَنِ الرَّجُلِ يَأْتِيهِ5 الْأَمْرُ يُحِبُّهُ فَيَسْجُدُ لِلَّهِ شُكْرًا؛ فَقَالَ: "لَا يَفْعَلُ، لَيْسَ مِمَّا مَضَى من أمر الناس". فقيل له: إن أبا بكر الصديق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015