الموافقات (صفحة 1362)

تَقَدَّمَ، وَقَاعِدَةُ النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ وَالِاسْتِصْحَابِ رَاجِعَةٌ إِلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ.

وَالْجِهَةُ الثَّالِثَةُ:

أَنَّ لِلشَّارِعِ فِي شَرْعِ الْأَحْكَامِ الْعَادِيَّةِ وَالْعِبَادِيَّةِ مَقَاصِدَ أَصْلِيَّةً وَمَقَاصِدَ تَابِعَةً.

مِثَالُ ذَلِكَ النِّكَاحُ؛ فَإِنَّهُ مَشْرُوعٌ لِلتَّنَاسُلِ على المقصد الْأَوَّلِ، وَيَلِيهِ طَلَبُ السَّكَنِ وَالِازْدِوَاجِ، وَالتَّعَاوُنُ عَلَى الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ؛ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْحَلَالِ، وَالنَّظَرِ إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنَ الْمَحَاسِنِ فِي النِّسَاءِ، وَالتَّجَمُّلِ بِمَالِ الْمَرْأَةِ، أَوْ قِيَامِهَا عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ إِخْوَتِهِ، وَالتَّحَفُّظُ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْمَحْظُورِ مِنْ شَهْوَةِ الْفَرْجِ وَنَظَرِ الْعَيْنِ، وَالِازْدِيَادُ مِنَ الشُّكْرِ بِمَزِيدِ النِّعَمِ مِنَ اللَّهِ1 عَلَى الْعَبْدِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَجَمِيعُ هَذَا مَقْصُودٌ لِلشَّارِعِ مِنْ شَرْعِ النِّكَاحِ؛ فَمِنْهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ أَوْ مُشَارٌ إِلَيْهِ، وَمِنْهُ مَا عُلِمَ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَمَسْلَكٍ اسْتُقْرِئَ مِنْ ذَلِكَ الْمَنْصُوصِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْمَقَاصِدِ التَّوَابِعِ هُوَ مثبت للمقصد الأصلي، ومقو لحكمته، ومستدع لطبه وَإِدَامَتِهِ، وَمُسْتَجْلِبٌ لِتَوَالِي التَّرَاحُمِ وَالتَّوَاصُلِ وَالتَّعَاطُفِ، الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ مَقْصِدُ الشَّارِعِ الْأَصْلِيُّ مِنَ التَّنَاسُلِ؛ فَاسْتَدْلَلْنَا بِذَلِكَ2 عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ مِمَّا شَأْنُهُ ذَلِكَ مَقْصُودٌ لِلشَّارِعِ أَيْضًا، كَمَا رُوِيَ مِنْ فِعْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي نِكَاحِ أُمِّ كُلْثُومِ بِنْتِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ طَلَبًا لِشَرَفِ النَّسَبِ، وَمُوَاصَلَةِ أَرْفَعِ الْبُيُوتَاتِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ فَلَا شَكَّ أَنَّ النِّكَاحَ لِمِثْلِ هَذِهِ الْمَقَاصِدِ سَائِغٌ، وَأَنَّ قَصْدَ التَّسَبُّبِ لَهُ حَسَنٌ.

وَعِنْدَ ذَلِكَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ نَوَاقِضَ هَذِهِ الْأُمُورِ مُضَادَّةٌ لِمَقَاصِدِ الشَّارِعِ بإطلاق،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015