فَإِنَّ الذَّرَائِعَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
- مِنْهَا: مَا يُسَدُّ بِاتِّفَاقٍ؛ كَسَبِّ الْأَصْنَامِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مؤدٍ إِلَى سبِّ اللَّهِ تَعَالَى، وكَسَبِّ أَبَوَيِ الرَّجُلِ إِذَا كَانَ مُؤَدِّيًا إِلَى سَبٍّ أَبَوَيِ السَّابِّ؛ فَإِنَّهُ عُدَّ فِي الْحَدِيثِ1 سَبًّا مِنَ السَّابِّ لِأَبَوَيْ نَفْسِهِ، وَحَفْرِ الْآبَارِ فِي طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْعِلْمِ بِوُقُوعِهِمْ فِيهَا، وَإِلْقَاءِ السُّمِّ فِي الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ الَّتِي يُعْلَمُ تَنَاوُلُ الْمُسْلِمِينَ لَهَا.
- وَمِنْهَا: مَا لَا يُسَدُّ بِاتِّفَاقٍ، كَمَا إِذَا أَحَبَّ الْإِنْسَانُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِطَعَامِهِ أَفْضَلَ مِنْهُ أَوْ أَدْنَى مِنْ جِنْسِهِ؛ فَيَتَحَيَّلُ بِبَيْعِ متابعه لِيَتَوَصَّلَ بِالثَّمَنِ إِلَى مَقْصُودِهِ، بَلْ كَسَائِرِ التِّجَارَاتِ؛ فَإِنَّ مَقْصُودَهَا الَّذِي أُبِيحَتْ لَهُ إِنَّمَا يَرْجِعُ إِلَى التَّحَيُّلِ فِي بَذْلِ دَرَاهِمَ فِي السِّلْعَةِ لِيَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْهَا.
- وَمِنْهَا: مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَمَسْأَلَتُنَا مِنْ هَذَا الْقِسْمِ؛ فَلَمْ نَخْرُجْ عَنْ حُكْمِهِ بَعْدُ، وَالْمُنَازَعَةُ بَاقِيَةٌ فِيهِ.
وَهَذِهِ جملة ما يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى جَوَازِ التَّحَيُّلِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَأَدِلَّةُ الْجِهَةِ الْأُخْرَى مُقَرَّرَةٌ وَاضِحَةٌ شَهِيرَةٌ؛ فَطَالِعْهَا فِي مَوَاضِعِهَا2، وَإِنَّمَا قُصِدَ هُنَا هَذَا التَّقْرِيرُ الْغَرِيبُ3 لِقِلَّةِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِ أَهْلِهِ؛ إِذْ كُتُبُ الْحَنَفِيَّةِ كَالْمَعْدُومَةِ الْوُجُودِ فِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ، وَكَذَلِكَ كُتُبُ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ، وَمَعَ أَنَّ اعْتِيَادَ الِاسْتِدْلَالِ لِمَذْهَبٍ وَاحِدٍ رُبَّمَا يُكْسِبُ الطَّالِبَ نُفُورًا وَإِنْكَارًا لِمَذْهَبٍ غَيْرِ مَذْهَبِهِ، مِنْ غَيْرِ إِطْلَاعٍ عَلَى مَأْخَذِهِ؛ فَيُورِثُ ذَلِكَ حَزَازَةً فِي الِاعْتِقَادِ فِي الْأَئِمَّةِ، الَّذِينَ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى فَضْلِهِمْ وتقدمهم في