الموافقات (صفحة 1315)

فَصْلٌ:

هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إِذَا كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ إِذَا قَامَ بِهَا لَحِقَهُ ضَرَرٌ وَمَفْسَدَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ يَصِحُّ أَنْ يَقُومَ بِهَا غَيْرُهُ.

فَإِنْ كَانَتْ الْمَفْسَدَةُ اللَّاحِقَةُ لَهُ دُنْيَوِيَّةً لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُومَ بِهَا غَيْرُهُ؛ فَهِيَ مَسْأَلَةُ التُّرْسِ وَمَا أَشْبَهَهَا؛ فَيَجْرِي فِيهَا خِلَافٌ كَمَا مَرَّ، وَلَكِنَّ قَاعِدَةَ "مَنْعِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ" شَاهِدَةٌ بِأَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ بِمِثْلِ هَذَا، وَقَاعِدَةَ "تَقْدِيمِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ عَلَى الْخَاصَّةِ"1 شَاهِدَةٌ بِالتَّكْلِيفِ بِهِ؛ فَيَتَوَارَدَانِ عَلَى هَذَا الْمُكَلَّفِ مِنْ جِهَتَيْنِ، وَلَا تَنَاقُضَ فِيهِ؛ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ احْتَمَلَ الْمَوْضِعُ الْخِلَافَ.

وَإِنْ فُرِضَ فِي هَذَا النَّوْعِ إِسْقَاطُ الْحُظُوظِ؛ فَقَدْ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَمْرَانِ:

أَحَدُهُمَا: قَاعِدَةُ الْإِيثَارِ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا؛ فَمِثْلُ هَذَا دَاخِلٌ تَحْتَ حُكْمِهَا.

وَالثَّانِي: مَا جَاءَ فِي خُصُوصِ الْإِيثَارِ فِي قِصَّةِ2 أَبِي طَلْحَةَ فِي تَتْرِيسِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ، وَقَوْلِهِ: "نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ"، وَوِقَايَتِهِ لَهُ حَتَّى شُلَّتْ يَدُهُ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ3، وَإِيثَارِ4 النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيره على نفسه في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015