فَالْأَصْلُ الْجَوَازُ مِنَ الْجَلْبِ أَوِ الدَّفْعِ، وَقَطْعُ النَّظَرِ عَنِ اللَّوَازِمِ الْخَارِجِيَّةِ1؛ إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ تُسَبِّبُ مَفْسَدَةً مِنْ بَابِ الْحِيَلِ أَوْ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ؛ مُنِعَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لَا مِنْ جِهَةِ الْأَصْلِ، فَإِنَّ الْمُتَسَبِّبَ لَمْ يَقْصِدْ إِلَّا مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ، فَإِنْ حُمِلَ محمل المتعدي2؛ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَظِنَّةٌ [لِلْقَصْدِ أَوْ مَظِنَّةٌ] لِلتَّقْصِيرِ3، وَهُوَ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنَ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَلِذَلِكَ وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ؛ هَلْ تَقُومُ مَظِنَّةُ الشَّيْءِ مَقَامَ نَفْسِ الْقَصْدِ إِلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ، أَمْ لَا؟ هَذَا نَظَرُ إِثْبَاتِ الْحُظُوظِ، وَأَمَّا نَظَرُ إِسْقَاطِهَا؛ فَأَصْحَابُهُ فِي هَذَا الْقِسْمِ مِثْلُهُمْ فِي الْقِسْمِ الْخَامِسِ بِخِلَافِ الْقِسْمِ السَّادِسِ؛ فَإِنَّهُ لَا قُدْرَةَ لِلْإِنْسَانِ عَلَى الِانْفِكَاكِ عَنْهُ عَادَةً.
وَأَمَّا الثَّامِنُ:
وَهُوَ مَا يَكُونُ أَدَاؤُهُ إِلَى الْمَفْسَدَةِ كَثِيرًا لَا غَالِبًا وَلَا نَادِرًا؛ فَهُوَ مَوْضِعُ نَظَرٍ وَالْتِبَاسٍ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحَمْلُ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ صِحَّةِ الْإِذْنِ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الْعِلْمَ وَالظَّنَّ بِوُقُوعِ الْمَفْسَدَةِ مُنْتَفِيَانِ؛ إِذْ لَيْسَ هُنَا إِلَّا احْتِمَالٌ مُجَرَّدٌ بَيْنَ الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ وَلَا قَرِينَةَ4 تُرَجِّحُ أَحَدَ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَاحْتِمَالُ الْقَصْدِ لِلْمَفْسَدَةِ وَالْإِضْرَارِ لَا يَقُومُ مَقَامَ نَفْسِ الْقَصْدِ وَلَا يَقْتَضِيهِ، لِوُجُودِ الْعَوَارِضِ مِنَ الْغَفْلَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ كَوْنِهَا مَوْجُودَةً أَوْ غَيْرَ مَوْجُودَةٍ.
وَأَيْضًا؛ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُعَدَّ الْجَالِبُ أَوِ الدَّافِعُ هُنَا مُقَصِّرًا وَلَا قَاصِدًا كَمَا فِي الْعِلْمِ وَالظَّنِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَمْلُهُ عَلَى الْقَصْدِ إِلَيْهِمَا5 أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى عَدَمِ الْقَصْدِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ فَالتَّسَبُّبُ الْمَأْذُونُ فِيهِ قَوِيٌّ جِدًّا، إِلَّا أَنَّ مَالِكًا اعْتَبَرَهُ فِي سَدِّ الذَّرَائِعِ بِنَاءً عَلَى كَثْرَةِ الْقَصْدِ وُقُوعًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَصْدَ لَا يَنْضَبِطُ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّهُ مِنَ الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ، لَكِنْ لَهُ مَجَالٌ6 هُنَا وَهُوَ كَثْرَةُ الوقوع في