يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ حَقُّ نَفْسِهِ فِي الضَّرُورِيَّاتِ؛ فَلَا يَكُونُ لَهُ خِيرَةٌ فِي إِسْقَاطِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَقِّهِ عَلَى بَيِّنَةٍ، وَمِنْ حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى ظَنٍّ أَوْ شَكٍّ، وَذَلِكَ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ وَاضِحٌ، وَكَذَلِكَ فِي جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ إِنْ كَانَ عَدَمُهَا يُضَرُّ بِهِ.
وَقَدْ سُئِلَ الدَّاوُدِيُّ1: "هَلْ تَرَى لِمَنْ قَدَرَ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ غُرمِ هَذَا الَّذِي يُسَمَّى بِالْخَرَاجِ إِلَى السُّلْطَانِ أَنْ يَفْعَلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ إِلَّا ذَلِكَ. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ وَضَعَهُ السُّلْطَانُ على أهل بدلة وَأَخَذَهُمْ بِمَالٍ مَعْلُومٍ يُؤَدُّونَهُ2 عَلَى أَمْوَالِهِمْ؛ هَلْ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَفْعَلَ؟ وَهُوَ إِذَا تَخَلَّصَ أُخِذَ سَائِرُ أَهْلِ الْبَلَدِ بِتَمَامِ مَا جُعِلَ عَلَيْهِمْ. قَالَ: ذَلِكَ لَهُ. قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي السَّاعِي يَأْخُذُ مِنْ غَنَمِ أَحَدِ الْخُلَطَاءِ شَاةً وَلَيْسَ فِي جَمِيعِهَا3 نِصَابٌ: إِنَّهُ مَظْلَمَةٌ دَخَلَتْ عَلَى مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ، لَا يَرْجِعُ مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ عَلَى أَصْحَابِهِ بِشَيْءٍ. قَالَ: وَلَسْتُ بِآخِذٍ4 فِي هَذَا بِمَا رُوِيَ عَنْ سَحْنُونٍ؛ لِأَنَّ الظُّلْمَ لَا أُسْوَةَ فِيهِ، وَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا أَنْ يُولِجَ نَفْسَهُ فِي ظُلْمٍ مَخَافَةَ أَنْ يُوضَعَ الظُّلْمُ عَلَى غَيْرِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّمَا السَّبِيلُ 5 عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الشورى: 24] ". هذا ما قال6.