الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:
فَاعِلُ الْفِعْلِ أَوْ تَارِكُهُ؛ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فَعَلَهُ أَوْ تَرَكَهُ مُوَافِقًا أَوْ مُخَالِفًا، وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ مُوَافَقَةَ الشَّارِعِ أَوْ مُخَالَفَتَهُ؛ فَالْجَمِيعُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا وَقَصْدُهُ الْمُوَافَقَةُ؛ كَالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْحَجِّ وَغَيْرِهَا، يَقْصِدُ بِهَا امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَدَاءَ مَا وَجَبَ عليه أو ندب إليه، وكذلك ترك الزنى وَالْخَمْرِ وَسَائِرِ الْمُنْكَرَاتِ، يَقْصِدُ بِذَلِكَ الِامْتِثَالَ؛ فَلَا إِشْكَالَ فِي صِحَّةِ هَذَا الْعَمَلِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا وَقَصْدُهُ الْمُخَالَفَةُ؛ كَتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ وَفِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ قَاصِدًا لِذَلِكَ؛ فَهَذَا أَيْضًا ظَاهِرُ الْحُكْمِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ أَوِ التَّرْكُ مُوَافِقًا وَقَصْدُهُ الْمُخَالَفَةُ، وَهُوَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَعْلَمَ بِكَوْنِ الْفِعْلِ أَوِ التَّرْكِ مُوَافِقًا.
وَالْآخَرُ: أَنْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ.
فَالْأَوَّلُ: كَوَاطِئِ زَوْجَتِهِ ظَانًّا أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، وَشَارِبِ الْجُلَّابِ1 ظَانًّا أَنَّهُ خَمْرٌ، وَتَارِكِ الصَّلَاةِ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَكَانَ قَدْ أَوْقَعَهَا وَبَرِئَ مِنْهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ فَهَذَا الضَّرْبُ قَدْ حَصَلَ فِيهِ قَصْدُ الْعِصْيَانِ بِالْمُخَالَفَةِ، وَيَحْكِي الْأُصُولِيُّونَ فِي هَذَا النَّحْوِ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْعِصْيَانِ فِي مَسْأَلَةِ "مَنْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ مَعَ ظَنِّ الْمَوْتِ قَبْلَ الْفِعْلِ"، وَحَصَلَ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ مَفْسَدَةَ النَّهْيِ لَمْ تَحْصُلْ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ لِأَجْلِ مَا يَنْشَأُ عَنْهَا مِنَ الْمَفَاسِدِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ هَذَا لَمْ يَكُنْ مِثْلَ مَنْ فَعَلَهُ، فَحَصَلَتِ الْمَفْسَدَةُ؛ فَشَارِبُ الْجُلَّابِ لَمْ يَذْهَبْ عَقْلُهُ، وَوَاطِئُ زوجته لم يختلط