الموافقات (صفحة 1252)

بِتَعْيِينِ أَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنَ لِلْمَصْلَحَةِ وَتَعْيِينِ الْآخَرِ لِلْمَفْسَدَةِ؛ فقد بين الوجه الذي منه تحصيل الْمَصْلَحَةُ فَأَمَرَ بِهِ أَوْ أَذِنَ فِيهِ، وَبَيَّنَ الْوَجْهَ الَّذِي بِهِ تَحْصُلُ الْمَفْسَدَةُ؛ فَنَهَى عَنْهُ رَحْمَةً بِالْعِبَادِ، فَإِذَا قَصَدَ الْمُكَلَّفُ عَيْنَ مَا قَصَدَهُ الشَّارِعُ بِالْإِذْنِ؛ فَقَدْ قَصَدَ وَجْهَ الْمَصْلَحَةِ عَلَى أَتَمِّ وُجُوهِهِ؛ فَهُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ تَحْصُلَ لَهُ وَإِنْ قَصَدَ غَيْرَ مَا قَصَدَهُ الشَّارِعُ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْغَالِبِ لِتَوَهُّمِ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِيمَا قَصَدَ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَقْصِدُ وَجْهَ الْمَفْسَدَةِ كِفَاحًا؛ فَقَدْ جَعَلَ مَا قَصَدَ الشَّارِعُ مُهْمَلَ الِاعْتِبَارِ، وَمَا أَهْمَلَ الشَّارِعُ مَقْصُودًا مُعْتَبَرًا، وَذَلِكَ مُضَادَّةٌ لِلشَّرِيعَةِ ظَاهِرَةٌ.

وَالثَّانِي 1:

أَنَّ حَاصِلَ هَذَا الْقَصْدِ يَرْجِعُ إِلَى أَنَّ مَا رَآهُ الشَّارِعُ حَسَنًا، فَهُوَ عِنْدُ هَذَا الْقَاصِدِ ليس بحسن، وما لم يره في الشَّارِعُ حَسَنًا؛ فَهُوَ عِنْدَهُ حَسَنٌ، وَهَذِهِ مُضَادَّةٌ أَيْضًا.

وَالثَّالِثُ:

أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} الآية [النساء: 115] .

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: "سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُلَاةُ الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ سُنَنًا الْأَخْذُ بِهَا تَصْدِيقٌ لِكِتَابِ اللَّهِ، وَاسْتِكْمَالٌ لِطَاعَةِ اللَّهِ، وَقُوَّةٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ، مَنْ عَمِلَ بِهَا مُهْتَدٍ، وَمَنِ اسْتَنْصَرَ بِهَا مَنْصُورٌ، وَمَنْ خَالَفَهَا اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى، وَأَصْلَاهُ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مصيرا"2، والأخذ في خلاف مآخذ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015