وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ مُخْتَلِفَةُ الْمَسَاقِ1، لَا تَرْجِعُ إِلَى بَابٍ وَاحِدٍ؛ إِلَّا أَنَّهَا تَنْتَظِمُ الْمَعْنَى الْوَاحِدَ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ، وَإِذَا تَكَاثَرَتْ عَلَى النَّاظِرِ الْأَدِلَّةُ عَضَّدَ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَصَارَتْ بِمَجْمُوعِهَا مُفِيدَةً لِلْقَطْعِ؛ فَكَذَلِكَ الْأَمْرُ فِي مَآخِذِ الْأَدِلَّةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ2، وَهِيَ مَآخِذُ الْأُصُولِ؛ إِلَّا أَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ رُبَّمَا3 تَرَكُوا ذِكْرَ هَذَا الْمَعْنَى وَالتَّنْبِيهَ عَلَيْهِ، فَحَصَلَ إِغْفَالُهُ مِنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ فَاسْتَشْكَلَ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَاتِ عَلَى حِدَتِهَا4، وَبِالْأَحَادِيثِ عَلَى انْفِرَادِهَا؛ إِذْ لَمْ يَأْخُذْهَا مَأْخَذَ الِاجْتِمَاعِ5، فَكَّرَ عَلَيْهَا بِالِاعْتِرَاضِ نَصًّا نَصًّا، وَاسْتَضْعَفَ الِاسْتِدْلَالَ بِهَا عَلَى قَوَاعِدِ الْأُصُولِ الْمُرَادِ مِنْهَا الْقَطْعُ، وَهِيَ إِذَا أُخِذَتْ عَلَى هَذَا السَّبِيلِ6 غيرُ مُشْكِلَةٍ، وَلَوْ أُخِذَتْ أَدِلَّةُ الشَّرِيعَةِ عَلَى الْكُلِّيَّاتِ وَالْجُزْئِيَّاتِ مَأْخَذَ هَذَا الْمُعْتَرِضِ؛ لَمْ يَحْصُلْ لَنَا قَطْعٌ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ أَلْبَتَّةَ؛ إِلَّا أَنْ نُشْرِكَ الْعَقْلَ7، وَالْعَقْلُ إِنَّمَا يَنْظُرُ مِنْ وَرَاءِ الشَّرْعِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الانتظام.