الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ:
وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا يَصِحُّ أَنْ تُرَاعَى وتُعتبر، إِلَّا بِشَرْطِ أَنْ لَا تَخْرِمَ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَلَا قَاعِدَةً دِينِيَّةً1، فَإِنَّ مَا يَخْرِمُ قَاعِدَةً شَرْعِيَّةً أَوْ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَيْسَ بِحَقٍّ فِي نَفْسِهِ، بَلْ هُوَ إِمَّا خَيَالٌ أَوْ وَهْمٌ، وَإِمَّا مِنْ إِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ، وَقَدْ يُخَالِطُهُ مَا هُوَ حَقٌّ وَقَدْ لَا يُخَالِطُهُ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ اعْتِبَارُهُ مِنْ جِهَةِ مُعَارَضَتِهِ لِمَا هُوَ ثَابِتٌ مَشْرُوعٌ، وَذَلِكَ أَنَّ التَّشْرِيعَ الَّذِي أَتَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامٌّ لَا خَاصٌّ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ هَذَا، وَأَصْلُهُ لَا يَنْخَرِمُ، وَلَا يَنْكَسِرُ لَهُ اطِّراد، وَلَا يُحَاشَى مِنَ الدُّخُولِ تَحْتَ حُكْمِهِ مُكَلَّفٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَكُلَّ مَا جَاءَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ مُضَادًّا لِمَا تَمَهَّدَ فِي الشَّرِيعَةِ، فَهُوَ فَاسِدٌ بَاطِلٌ.
وَمَنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ مَسْأَلَةٌ سُئِلَ عَنْهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي حَاكِمٍ شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ مَشْهُورَانِ بِالْعَدَالَةِ فِي أَمْرٍ، فَرَأَى الْحَاكِمُ فِي مَنَامِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "لَا تَحْكُمْ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهَا بَاطِلٌ"، فَمِثْلُ هَذَا مِنَ الرُّؤْيَا لَا مُعْتَبَرَ بِهَا فِي أَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ، وَلَا بِشَارَةٍ وَلَا نِذَارَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَخْرِمُ قَاعِدَةً مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ2، وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا يَأْتِي مِنْ هَذَا النَّوْعِ.