وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [الْبَقَرَةِ: 45] ، فَجَعَلَهَا كَبِيرَةً حَتَّى قَرَنَ بِهَا الْأَمْرَ بِالصَّبْرِ، وَاسْتَثْنِي الْخَاشِعِينَ فَلَمْ تَكُنْ عَلَيْهِمْ كَبِيرَةً، لِأَجْلِ مَا وَصَفَهُمْ بِهِ مِنَ الْخَوْفِ الَّذِي هُوَ سَائِقٌ، وَالرَّجَاءِ الَّذِي هُوَ حَادٍ، وَذَلِكَ مَا تَضَمَّنَهُ قوله: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} الآية: [البقرة: 46] ، فَإِنَّ الْخَوْفَ وَالرَّجَاءَ يُسَهِّلَانِ الصَّعْبَ، فَإِنَّ الْخَائِفَ مِنَ الْأَسَدِ يَسْهُلُ عَلَيْهِ تَعَبُّ الْفِرَارِ، وَالرَّاجِي لِنَيْلِ مَرْغُوبِهِ يَقْصُرُ عَلَيْهِ الطَّوِيلُ مِنَ الْمَسَافَةِ، وَلِأَجْلِ الدُّخُولِ فِي الْفِعْلِ عَلَى قَصْدِ الِاسْتِمْرَارِ وُضِعَتِ التَّكَالِيفُ عَلَى التَّوَسُّطِ وَأُسْقِطَ الْحَرَجُ، وَنُهِيَ عَنِ التَّشْدِيدِ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلَا تُبَغِّضْ إِلَى نَفْسِكَ عِبَادَةَ اللَّهِ، فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا أَرْضًا قَطَعَ وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى"1، وَقَالَ: "مَنْ يُشَادُّ هَذَا الدِّينَ يَغْلِبْهُ" 2، وَهَذَا يَشْمَلُ التَّشْدِيدَ بِالدَّوَامِ، كَمَا يَشْمَلُ التَّشْدِيدَ بِأَنْفَسِ الأعمال، والأدلة على هذا المعنى كثيرة3.