وكان يوسف عليه السلام وهو في السجن رؤوفا بمن فيه، ويعدهم الفرج، فأخبره صاحبا طعام الملك وشرابه برؤياهما التي قصها الله في كتابه، فوقع كما قصه يوسف، ورأى الملك البقرات والسنابل، فعرّفه الساقي خبر يوسف، فمضى إليه، وقصها عليه.

فلما عاد إلى الملك قال: جيئوني به، فقال يوسف: ما أخرج أو يكشف أمر النسوة اللاتي من أجلهنّ حبست، فكشف عن ذلك، فاعترفت زليخا بالقصة، ووجه إليه، فأخرج وغسل من درن السجن، وألبس ما يليق بالدخول على الملوك، فلما رآه امتلأ قلبه من حبه وإكباره، وسأله عن الرؤيا ففسرها كما قال الله تعالى. فقال الملك: ومن يقوم لي بذلك؟

قال: أنا، فخلع عليه خلع الملوك، وألبسه تاجا وأمر أن يطاف به وركب الجيش معه، وتردد إلى قصر الملك، وجلس على سرير العزيز، واستخلفه الملك على ملكه مكانه.

ويقال: إنّ العزيز إطفين، كان قد مات، فزوّجه امرأته، وقال لها يوسف: هذا أصلح مما أردت، فقالت: اعذرني إنّ زوجي كان عنينا، ولم ترك امرأة إلّا صبا قلبها إليك من حسنك، وجاءت سنّو خصب في مصر، فجمع يوسف الغلال، وخزنها وأكثر منها، فلما جاءت سنّو الجدب بدأ النيل في النقصان، وكان ينقص كل سنة أكثر من التي قبلها، فقحط البلد حتى بيع القمح بالمال والجوهر والدواب والثياب والآنية والعقار، وكاد أهل مصر يرحلون عنها لولا تدبير يوسف، وقحط الشام أيضا، وكان من مجيء إخوة يوسف ما قصه الله تعالى، ووجه إلى أبيه، فحمل إلى مصر وجميع أهله، وخرج في وجوه أهل مصر، فتلقاه وأدخله على الملك، وكان يعقوب مهابا، فأعظمه الملك، وسأله عن سنه وصناعته وعبادته فقال: سني عشرون ومائة سنة، وأما صناعتي فلنا غنم ترعى ننتفع بها، وأعبد رب العالمين الذي خلقك وخلقني، وهو إله آبائي وإلهك وإله كل شيء.

وكان في مجلس الملك، كاهن جليل القدر، فقال للملك: إني أخاف أن يكون خراب مصر على يد ولد هذا، فقال له الملك: فأنّى لنا خبره، فقال الكاهن ليعقوب: أرني إلهك أيها الشيخ، قال: إلهي أعظم من أن يرى، قال: فإنا نرى آلهتنا، قال: إن آلهتكم من ذهب وفضة وحجارة وجوهر ونحاس وخشب، مما يعمله بنو آدم، وهم عبيد، إلهي لا إله إلّا هو العزيز الحكيم، قال الكاهن: إنّ كل شيء لا تراه العيون ليس بشيء، فغضب يعقوب وكذبه، وقال: إنّ الله شيء لا كالأشياء وهو خالق كل شيء لا إله إلا هو، قال: فصفه لنا، قال: إنما يوصف المخلوق لكنه خالق واحد قديم مدبر أزليّ يرى ولا يرى، وقام يعقوب مغضبا، فأجلسه الملك وأمر الكاهن، فكف عنه، فقال الكاهن: إنا نجد في كتبنا أنّ خراب مصر يجري على أيدي هؤلاء؟ فقال الملك: هذا يكون في أيامنا؟ قال: لا، ولا إلى مدّة كثيرة، والصواب: أن يقتله الملك ولا يبقى من ذريته أحدا، فقال الملك: إن كان الأمر كما تقول، فلا يمكننا أن ندفعه، ولا نقدر على قتل هؤلاء، وأنزل يعقوب ومن معه بوادي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015