بالعامّة، واتفق أنه ركب من القلعة يريد الميدان الكبير في يوم السبت، فرأى من الناس أمما عظيمة قد ملأت الطرقات وهم يصيحون نصر الله الإسلام، أنصر دين محمد بن عبد الله.

فخرج من ذلك، وعندما نزل الميدان أحضر إليه الخازن نصرانيين قد قبض عليهما وهما يحرقان الدور، فأمر بتحريقهما، فأخرجا وعمل لهما حفرة وأحرقا بمرأى من الناس، وبينا هم في إحراق النصرانيين إذا بديوان الأمير بكتمر الساقي قد مرّ يريد بيت الأمير بكتمر، وكان نصرانيا، فعندما عاينه العامّة ألقوه عن دابته إلى الأرض وجرّدوه من جميع ما عليه من الثياب وحملوه ليلقوه في النار، فصاح بالشهادتين وأظهر الإسلام، فأطلق.

واتفق مع هذا مرور كريم الدين، وقد لبس التشريف، من الميدان، فرجمه من هنالك رجما متتابعا وصاحوا به: كم تحامي للنصارى وتشدّ معهم، ولعنوه وسبّوه، فلم يجد بدّا من العود إلى السلطان وهو بالميدان، وقد اشتدّ ضجيج العامّة وصياحهم حتى سمعهم السلطان، فلما دخل عليه وأعلمه الخبر امتلأ غضبا واستشار الأمراء، وكان بحضرته منهم الأمير جمال الدين نائب الكرك، والأمير سيف الدين البوبكريّ، والخطيريّ، وبكتمر الحاجب في عدّة أخرى، فقال الأبوبكريّ: العامة عمي والمصلحة أن يخرج إليهم الحاجب ويسألهم عن اختيارهم حتى يعلم. فكره هذا من قوله السلطان، وأعرض عنه. فقال نائب الكرك: كل هذا من أجل الكتاب النصارى، فإن الناس أبغضوهم، والرأي أن السلطان لا يعمل في العامة شيئا، وإنما يعزل النصارى من الديوان. فلم يعجبه هذا الرأي أيضا، وقال للأمير الماس الحاجب: امض ومعك أربعة من الأمراء وضع السيف في العامّة من حين تخرج من باب الميدان إلى أن تصل إلى باب زويلة، واضرب فيهم بالسيف من باب زويلة إلى باب النصر، بحيث لا ترفع السيف عن أحد البتة. وقال لوالي القاهرة: اركب إلى باب اللوق وإلى باب البحر، ولا تدع أحدا حتى تقبض عليه وتطلع به إلى القلعة، ومتى لم تحضر الذين رجموا وكيلي، يعني كريم الدين، وإلّا وحياة رأسي شنقتك عوضا عنهم، وعين معه عدّة من المماليك السلطانية، فخرج الأمراء بعد ما تلكئوا في المسير حتى اشتهر الخبر، فلم يجدوا أحدا من الناس حتى ولا غلمان الأمراء وحواشيهم، ووقع القول بذلك في القاهرة، فغلقت الأسواق جميعها، وحل بالناس أمر لم يسمع بأشدّ منه، وسار الأمراء فلم يجدوا في طول طريقهم أحدا إلى أن بلغوا باب النصر، وقبض الوالي من باب اللوق وناحية بولاق وباب البحر كثيرا من الكلابزية والنواتية وأسقاط الناس، فاشتدّ الخوف وعدّى كثير من الناس إلى البرّ الغربيّ بالجيزة، وخرج السلطان من الميدان فلم يجد في طريقه إلى أن صعد قلعة الجبل أحدا من العامّة، وعند ما استقرّ بالقلعة سيّر إلى الوالي يستعجل حضوره، فما غربت الشمس حتى أحضر ممن أمسك من العامّة نحو مائتي رجل، فعزل منهم طائفة أمر بشنقهم، وجماعة رسم بتوسيطهم، وجماعة رسم بقطع أيديهم، فصاحوا بأجمعهم: يا خوند ما يحلّ لك، ما نحن الذين رجمنا، فبكى الأمير بكتمر الساقي ومن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015