ثانياً: أما إن كان النزاع في العقليات فيمكن إقامة الدليل على
الحكم فيه فنقول في الاستدلال في ذلك: إن إثباتها يفضي إلى
المحال، وكل ما أفضى إلى المحال فهو محال.
ويمكن الدليل عليه بالقياس الشرطي، وهو طريق التلازم الذي
سبق ذكره في المقدمة المنطقية، حيث إن كل إثبات له لوازم، فانتفاء
اللازم يدل على انتفاء الملزوم مثل قوله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) ، فانتفاء الفساد دليل على انتفاء إله ثان.
المذهب الثالث: التفصيل.
وهو إن كان الحكم عقلياً فيلزم النافي له الدليل.
وإن كان الحكم شرعياً فلا يلزمه الدليل.
حكى هذا المذهب القاضي أبو بكر، وابن فورك.
جوابه:
إن هذا التفصيل لا دليل عليه.
ثم إنا بينا فيما سبق أنه يمكن إقامة الدليل على النفي في
الشرعيات، وفي العقليات بالأمثلة.
المذهب الرابع: التفصيل من وجه آخر، وهو:
أن النافي إن ادعى أن نفي الحكم ثابت عنده بالضرورة، فإنه لا
يطالب بالدليل؛ لأن عدالته توجب صدقه، والضروري شأنه أن لا
يكون محل شبهة، وإن ادعى أنه ثابت عنده بالعلم النظري، أو
بطريق الظن فإنه يطالب بالدليل، لأن النظري أو الظني قد يشتبه
فيه، فالدليل يبين هل هو مثبت للعدم أو غير مثبمسا له لنزول
الشبهة.