أن يسمع رجل حديثاً من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يسافر ويترك المدينة، قبل أن يعلم أحد من أهل المدينة بهذا الحديث، فهنا أمكن خروج الحق عنهم.
الجواب الثالث: أن اشتمال المدينة على صفات موجبة لفضلها لا
يدل على أن إجماع أهلها حُجَّة على غيرهم؛ لأن مكة أفضل منها
ومع فضلها لم يقل أحد بأن إجماع أهلها حُجَّة على مخالفيهم.
وسبب ذلك: أن البقاع لا أثر لها في انعقاد الإجماع، وإنما
الاعتبار في بلوغ هذا الشخص أو ذاك درجة الاجتهاد في أي زمان
وأي مكان.
تنبيه: اختلفت عبارات العلماء في ترجمة هذه المسألة، فمنهم
من ترجمها بما ذكرنا، ومنهم من ترجمها بقوله: " عمل أهل
المدينة"، ومنهم من عبَّر عنها بقوله: " قول أهل المدينة "،
واختلف في مراد الإمام مالك، وبعضهم دافع عن الإمام مالك، وبعضهم
أقر هذا القول له، وقد تكلمت عن بعض هذه الأمور في كتابي
"إتحاف ذوي البصائر بشرح روضة الناظر "، وبعضها موسع في كتب
كثيرة، وتحقيق ذلك ليس هذا مكانه.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف معنوي؛ حيث إن أصحاب المذهب الثاني إذا وجدوا أهل
المدينة قد اتفقوا على شيء، فإنهم يجعلون ذلك حُجَّة، ويعملون
به ويتركون ما عداه ممن خالفه، فبنى الإمام مالك على ذلك فروعا
منها: قوله في الحامل إذا رأت الدم فإنها تترك الصلاة، وذلك لأن
الحامل تحيض، وحجته في ذلك إجماع أهل المدينة. وهذا مخالف