لقد اختلف في ذلك على مذهبين:
المذهب الأول: أن تعلُّم أصول الفقه يقدم على تعلم الفقه.
ذهب إلى ذلك أبو إسحاق الشيرازي في " شرح اللمع "، وابن
برهان في " الوصول "، وابن عقيل في " الواضح "، وأبو بكر
القفال الشاشي، وغيرهم.
وهو الصحيح عندي، وذلك ليكون المتعلم على ثقة مما يدخل
فيه، ويكون قادراً على فهم مرامي جزئيات الفقه، فالفروع لا تدرك
إلا بأصولها، والنتائج لا تعرف حقائقها إلا بعد تحصيل العلم
بمقدماتها، وعلى هذا: ينبغي أن تحفظ الأدلة، وتحكم الأصول،
ثم حينئذِ تبنى عليها الفروع، لذلك تجد بعض الفقهاء من المالكية
وغيرهم يَجعلون القواعد الأصولية كمقدمة لكتبهم الفقهية.
المذهب الثاني: أن تعلُّم الفقه والفروع يُقدم على تعلُّم الأصول.
ذهب إلى ذلك أبو يعلى في " العدة "، وبعض العلماء.
دليل هذا المذهب:
إن من لم يعتد طرق الفروع والتصرف فيها لا يمكنه الوقوف على
ما يبتغى بهذه الأصول من الاستدلال، والتصرف في وجوه القياس.
أي: أنه بتعلُّم الفروع تحصل الدربة والملكة التي تجعله يستفيد من
تلك الأصول والقواعد استفادة صحيحة.