ترد لها صيغة " افعل " - كما سبق - ولا قرينة قدل على أنها
للوجوب دون الندب والإباحة، فحمل الأمر على الوجوب - هنا -
هو ترجيح بدون مرجح.
جوابه:
أن الأمر إذا تجرد عن القرائن، فإنه يقتضي الوجوب دون غيره
- عندنا كما سبق بيانه - ولا يصرف إلى غيره إلا بقرينة، ولا قرينة - هنا - تصرفه عن إفادة الوجوب.
الدليل الثالث: قوله تعالى: (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) هذا ما استدل به الشافعي.
وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه قد أقام مثل الشيء مقام الشيء،
فدل ذلك على أن حكم الشيء يعطى لنظيره، وأن المتماثلين
حكمهما واحد، وذلك هو القياس الشرعي.
أو تقول في وجه الدلالة: إن اللَّه لما أوجب المثل ووكل تحقيقه في
شيء خاص إلى اجتهادنا: كان إذناً من - اللَّه تعالى بالاجتهاد مطلقا،
فلزم من يقول بمشروعية الاجتهاد في تحقيق المناط أن يقول بمشروعية
الاجتهاد القياسي.
الدليل الرابع: قوله تعالى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) ، واستدل بتلك الآية ابن
سريج.
وجه الدلالة: أن المتنازع فيه لو ردوه إلى أولي الأمر - وهم
العلماء - لعلموا حكمه بالاستنباط، ولا معنى للاستنباط إلا
القياس، مأخوذ من استنبط الماء إذا أخرج من معدنه.