النصوص قليلة ومتناهية، والحوادث والوقائع والقضايا المتجددة كثيرة
غير متناهية، فالنصوص لا تقوى على مد كل واقعة وحادثة بحكم
منصوص عليه، فليس أمام المجتهد إلا القياس، وما يتعلق به من
وجوه النظر والاستدلال، فكانت الحاجة إلى القياس لا تنقطع،
وفوائده لا تنتهي ما دامت الحوادث والوقائع والقضايا تتجدد على
مدى السنوات والقرون إلى قيام الساعة.
الأمر الثالث: أن من عرف القياس معرفة دقيقة فإنه يغنيه عن
معرفة أكثر علوم الشريعة؛ حيث إنه إذا أراد أن يقيس على حكم من
الأحكام ثبت بنص، فإنه لا بد أن يتأكد من ثبوت هذا النص، وأن
يعرف تفاسير العلماء لهذا النص - سواء كانت آية أو حديثاً - وهل
هو ناسخ أو منسوخ؟ وهل هو محكم أو متشابه؟ وهل هو حقيقة
أو مجاز؟ وهل دلَّ على الحكم المقاس عليه بالمنطوق أو بالمفهوم؟
وهل هو عام أو خاص؟ أو مطلق أو مقيد؟ أو هو أمر أو نهي؟ أو
هو مجمل أو ظاهر أو نص؟ إلى آخر ما يتعلق بالنص،
ثم إذا كان الحكم مأخوذاً من حديث فإنه لا بد أن يعرف ما سبق، ويزيد معرفته لرجال الحديث، لأنه لا يجوز القياس على شيء مشكوك فيه،
وهكذا، وهذا يشمل كل العلوم.
الأمر الرابع: أن القياس باب من أبواب تعميم الأحكام الشرعية،
حيث إنه إذا ثبت حكم من الأحكام وعرفنا عِلَّة ذلك الحكم،
ووجدنا تلك العلَّة في فروع أخرى، فإنا نلحق تلك الفروع بذلك
الأصل ونعمم حكم الأصل ونجعله لتلك الفروع.