الثالث: المشاهدات الباطنة، وهي قضايا يحكم بها بواسطة

القوى الباطنة، ولا تحتاج إلى العقل، ولا إلى الحس، مثل:

علمك جوع نفسك، وشعورك بالألم، والعطش، ونحو ذلك.

والفرق بين هذا وبين المدرك الأول - وهو الأوليات -: أن المدرك

الأول لا تدركه الصبيان ولا البهائم ولا المجانين؛ لأن الأوليات قضايا

حصلت بمجرد العقل، والعقل مفقود بالنسبة لهؤلاء.

أما هذا المدرك وهو: المشاهدات الباطنة، فإن البهائم، والصبيان

والمجانين تدركه؛ لأن تلك الأحوال وهي الجوع، والعطش، لا

تفتقر إلى عقل.

الرابع: التجريبيات، أو اطراد العادات، وهي القضايا التي

يحكم بها بواسطة تكرار المشاهدة، وهي لا تخلو عن قياس خفي

مع تكرار المشاهدة، وهو أن تعلم أن الوقوع المتكرر على نهج واحد

لا يكون اتفاقاً.

مثل: حكمنا بأن الإهليلج مسهل، فإنه بعد التجارب وتكرار

الاستعمال لهذا الدواء حكمنا بأنه مسهل، وحكمنا بأن الحجر هاو

إلى أسفل، وحكمنا بأن النار صاعدة إلى فوق، وهذه الأحكام

والمعلومات يقينية عند من جربها من الناس.

الخامس: المتواترات، وهي: قضايا حكم بها بواسطة إخبار

جماعة يستحيل عقلاً وعادة تواطؤهم وتوافقهم على الكذب، مثل:

حكمنا بوجود مكة، والمدينة، والهند، وغيرها من البلدان.

فالمستفاد من تلك المدارك الخمسة يصلح لصناعة البرهان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015