داعيته، أو جماعة انبعثت دواعيهم إلى وضع هذه الألفاظ بإزاء
معانيها، ثم حصل تعريف الباقين بالإشارة والتكرار كما يفعل
الوالدان بالولد الرضيع.
والعقل - أيضا - يجوز كون بعضها توقيفي، وبعضها الآخر
اصطلاحي؛ لأنه إذا أمكن كل واحد من القسمين أمكن التركيب
منهما جميعاً.
أما الواقع عن هذه الأقسام فلا يمكن إلا ببرهان عقلي، أو نقل
وسمع قاطع، وهذا باطل؛ لأن العقل لا مجال له في اللغات
ليستدل عليها به، ولعدم وجبرد النقل والسمع القاطع.
فلم يبق إلا الظن، والظن داخل في جميع الأمور الثلاثة بالمساواة
- وهي كونها توقيفية، وكونها اصطلاحية، وبعضها توقيفي وبعضها
اصطلاحي - فلا يمكن ترجيح أحدها على الباقي؛ لانه ليس كل
واحد منها بأوْلى من الآخر، فلم يحصل الجزم بواحد منها.
المذهب الثاني: أن اللغات توقيفية، أي: أن الواضع هو الله عَز
وجَل، ووضعه متلقى من جهته إما بالوحي، أو بأن يخلق الله
تعالى لواحد، أو لجماعة من الخلق العلم بأن هذه الألفاظ واللغات
قصدت للدلالة على المعاني.
وهو مذهب أبي الحسن الأشعري، والظاهرية، وأبي بكر بن
فورك، وبعض المتكلمين، وبعض الفقهاء.
أدلة هذا المذهب:
الدليل الأول: قوله تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا) .
وجه الدلالة: أن اللغات لو لم تكن توفيفية لكانت مصطلحة