ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما ذكر أولاد خديجة رضى الله عنها، فقالت: يا رسول الله، أين أطفالى منك؟ قال:: (في الجنة) . فهل ذكر غير هذا شيئاً؟ وقال عليه السلام عند ذكر إبراهيم عليه السلام: (لو عاش إبراهيم بعدى لكان صديقاً نبياً) ، يعلمك بأنه محظوظ عند الله تعالى حظ الصديقين، وحظ النبيين، ولم يرزقه من الأجل في الدنيا ما يظهر عليه الصديقية والنبوة قلباً وجوارح. وحظه هناك في الآخرة قائم حظ صديق نبى، ولو عاش لظهر عليه هذا.
فلما استحكم البلاء على يعقوب عليه السلام، وطال الأمر، وعملت الرأفة، وغلبت مرافق الشوق، وتلهبت الرأفة؛ فلم يستجز أن يناديه وهو متعلق بحق الله الذى قد وجب على يعقوب بسبب ذلك المسكين. وهو ينتظر ماذا يبرز له من الغيب في هذا الحكم، ويحسن ظنه بالله ولا ييأس من روح الله؛ لأنه متوقع من كرم الله؛ فنادى الأسف الذي عليه أسف. فلما ناداه صار ذلك اللهب إلى الرأس كالمحبب له، فذهب ببصره، قال الله تعالى: (وَابيَضَت عَينَاهُ مِنَ الحُزنِ فَهُوَ كَظَيم) . فإنما كظم عن نداء يوسف، وكن عنه، فنادى أسفه؛ فحمد الله له وذكر كظمه أنه واقف عند حكمى، معظم لأمرى، ومن تعظيمه ووقوفه عند حكمى لم يذكر اسم من اشتاق إليه وحنت نفسه، فنادى الأسف. فلولا أن ذلك الأسف زينة لبلائه، وحلية لمصابه، ما كان ليناديه، ولا ليذكر في التنزيل شأنه.