المنهيات (صفحة 118)

حكاية: (سُكَرَت أَبصارُنا) أي سدت. فكل شراب إلى، فإنما هو من وضع يد الشيطان فيه، فهو داخل مع نصيبه إلى المعدة، وآخذ للذهن، وحابس للعقل، ويبقى الإيمان منفردا في القلب. فالحمد لله على تحريمه على عباده.

قال أبو عبد الله رحمه الله: فهذا سبب من الله في الظاهر لما هو في الباطن، وذلك أن الحلاوة خرجت من الفرح في الأصل، فإذا شربه فرح، والله لا يحب الفرحين بغيره، فطبع الآدمي علىالفرح بوجود كل شيء حلو، وقد وضع في العنب عامة الفرح.

وروى عن وهب: أن آدم عليه السلام لما دخلها أول ما أكل منها العنب، فامتلأ فرحا حتى ثمل، فعندها أكل من الشجرة، ووجد العدو سبيلا إلى خدعه. فعامة الخلق هلكوا في أفراح الدنيا.. ألا ترى كيف ذمة الله تعالى: (وَفَرِحوا بِالحَياةِ الدُّنيا) .. وقال: (وَلاَ تَفرَحُوا بِمَا آتاكُم) .. وقال: (لاَ تَفرَح إِنَّ الله لاَ يُحبُّ الفَرِحين) .

وقال: (قُل بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَليَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ) .

فالأفراح كلها مذمومة، إلا فرحين: فرح بالله، وهو فرح الصديقين؛ وفرح بفضل الله ورحمته وهو الإسلام والقرآن.

والفرح يقسى القلب، فإذا صار فيه الشراب دب فيه الفرح، فلذلك يشتد على هؤلاء الشربة مفارقته والنزوع عنه؛ لأنهم قد وجدوا لذة الفرح. فهم يحتملون مرارته، وأذاه، وغائلته، وصوره العاجل؛ ويخاطرون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015