والسلطان " بحمد الله تعالى " يفعل الخيرات، فما يترك هذه القضية تفوته. واعلم أنك عندي " بحمد الله تعالى " أقل من أن أهتم بشأنك أو ألتفت إلى خيالاتك وبطلانك، ولكني أردت أن أعرِّفك بعض أمري، لتدخل نفسك في منابذة المسلمين بأسرهم، ومنابذة سلطانهم " وفقه الله تعالى " على بصيرة منه، وترتفع عنك جهالة بعض الأمر، ليكون دخولك بعد ذلك معاندة لا عذر لك فيها.
ويا ظالم نفسه، أتتوهم أنه يخفى عليّ وعلى من سلك طريق نصائح المسلمين وولاة الأمور وحماة الدين، أنّا لا نعتقد صدق قول الله تعالى: (والعاقبة للمتقين) ؟ وقوله تعالى: (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله) ، وقوله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا) . وقوله تعالى: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) وقوله تعالى: (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم خذلان من خذلهم "، والمراد بهذه الطائف: أهل العلم، كذا قاله أحمد بن حنبل رضي الله عنه، وغيره من أهل العلم والفهم، وقوله صلى الله عليه وسلم: " والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " هذا فيمن كان في واحد من الناس، فكيف الظن بمن هو في عون المسلمين أجمعين، مع إعظام حرمات الشرع ونصيحة السلطان وموالاته، وبذل النفس في ذلك؟ واعلم أني والله لا أتعرض لك بمكروه، سوى إني أبغضك لله تعالى، وما امتناعي عن التعرض لك بمكروه عن عجز، بل أخاف الله رب العالمين من إيذاء من هو من جملة الموحدين، وقد أخبرني من أثق بخيره وصلاحه، وكراماته وفلاحه، إنك إن لم تبادر في التوبة حُلّ بك عقوبة عاجلة، تكون بها آية لمن بعدك، ولا يأثم بها أحد من الناس، بل هو عدل من الله تعالى يوقعه بك عبرة لمن بعدك، فإن كنت ناظراً لنفسك فبادر بالرجوع عن سوء فعالك، وتدارك ما أسلفته من قبح مقالك، قبل أن يحل بك ما لا تقال به عثرتك، ولا تغتر بسلامتك وثروتك ووصلتك، وفكّر في قول القائل:
قد نادت الدنيا على نفسها ... لو كان في العالم من يسمع
كم واثق بالعمر وأريته ... وجامع بددتُ ما يجمع
والسلام على من اتبع الهدى، والحمد لله رب العالمين.
قلت: وقد أفرد ترجمته بالتصنيف خادمه العلامة علاء الدين أبو الحسن علي بن إبراهيم بن داود الدمشقي، عرف بابن العطار، الذي كان لشدة ملازمته له وتحققه به، يقال له: مختصر النووي، استوفيت مقاصده هنا، وهو عمدتي بل عدتي، بن عمدة كل من أتى بعده.
ووقع في كلام الذهبي في " سير النبلاء " إنه في ست كراريس، والمتداول بالأيدي في كراس وشيء، فيحتمل أن يكون كان كتب في جميع المراثي، ثم حذفها بعض النُّساخ، ووجدت في نسخة وقفت عليها ما يستأنس به لذلك.
وظاهر صنيع الذهبي في تاريخه يشعر بكون التي وقف عليها في، لم يستوفي المراثي فيها وقد وقفت على نسخة بجميع المراثي، بخط تلميذه جد شيخ شيوخنا المسند الشهاب أحمد بن البدر حسن، لأبيه، وهو أبو عبد الله محمد ابن الواعظ أبي عبد الله محمد بن زكريا بن يحيى بن مسعود بن غنيمة، السويداوي، عرف هو وأبوه بالقدسي، كتبها بالخانقاه الشميساطية بدمشق، وهي سماعهِ على مؤلفها، بقراءة المحدث ناصر الدين أبي عبد الله محمد بن طغريل ابن الصيرفي، سوى ورقتين، فبقراءة السويداوي، وذلك في ثلاثة مجالس، آخرها يوم الأربعاء سادس عشر ربيع الآخر سنة أربع وعشرين وسبعمائة، بمنزل المؤلف بدار الحديث النورية، وصحح بخطه.