بل إن أول مصنفٍ جامع مفردٍ في علوم الحديث بلغنا، صنف بغرض مواجهة تلك الطعنات في علوم السنة، كما صرح بذلك مصنفه الرامهرمزي صاحب (المحدث الفاصل بين الراوي والواعي) . ولعل هذه التسمية وحدها كافية للإلماح بموضوع الكتاب، وبالغاية من تصنيفه (?) .
إلا أن ذلك النقص الذي اعترى قسماً آخر من المحدثين، والذي ذكره الخطابي في كلامه المنقول عنه آنفاً، جعل هؤلاء المحدثين قاصرين عن مواجهة المد الاعتزالي بالسنة، لنقص علمهم بها. مما قادهم إلى إنعاش مذهبٍ كلامي قديم، هو مذهب ابن كلاب (عبد الله بن سعيد القطان البصري، المتوفي سنة 245هـ) ، لأنه مذهب تجرد للرد على الجهمية والمعتزلة بعلم الكلام، في محاولة تقريب علم الكلام والاستفادة منه في تقرير عقيدة السلف.
إلا أن مذهب ابن كلاب هذا، كما هي العادة فيمن أراد أن يمزج بين علمين متنافرين (علم الكتاب والسنة، وعلم فلاسفة اليونان!) ، لم يستطع التخلص من أوضار علم الكلام ومضارةفلا هو قرر عقيدة السلف، ولا هو قرر عقيدة المعتزلة، لكنه توسط (التوسط المذموم) بين العقيدتين. ولذلك حذر الإمام أحمد من مذهب ابن كلاب، وعابه وذمه (?)
ولما كانت السنة قوية راسخةً في عهد الإمام أحمد، لم يجد مذهب ابن كلاب هذا فرصةً للانتشار في صفوف علماء الأمة، وخاصة المحدثين. فبقي محصوراً في بعض من مالوا إلى