وأمثل لك حالهم: هم ممن حدا العجز بهم إلى الرضى بالكسل والخمول، وفرحوا بالشهادات، ورضوا بالألقاب. ثم هداهم جهلهم إلى التشبث بقول من الأقوال، فلم يروا سواه، ((وأجرأ الناس على الفتيا أجهلهم بالخلاف)) . فلا كان الحق والصواب عندهم معيار الاختيار، ولا الباطل والخطأ سبب الرفض! وأنى لهم ذلك؟!! وقد قيدوا أنفسهم بمختصرات في علوم الحديث، إن زادوا زادوا عليها حواشيها وشروحها، فإن توسعوا اكتفوا بفهم خطأ وتأويل بعيدٍ لكلام أهل الاصطلاح. وهم خلال ذلك قد حصنوا أنفسهم بلقاح (إجلال العلماء) ، وسوغوا للناس ذلك بجرعة (عظيم أقدار الأئمة) ، وهي كلمات حق يراد بها باطل!!! فلا أجل العلماء، من قلد أحدهم غير ناظر إلى من عداه من العلماء؛ ولا عرف أقدار الأئمة، من رضي قولاً لواحدٍ منهم دون دليله، من غير اعتبارٍ لما سواه، وكأنه كلام ما قيل! أرأيت وقد قالوا عن الباطل: كيف وقد قيل؟ !!
ومع ذلك كله: فوالذي نفسي بيده! لو لم يكن الأمر من أجل السنة، وفي سبيل السنة، وعن منهاج السنة = لخطبت ودهم، ولسعيت إلى رضاهم. فلا رضي أبعدهم إذا كان العلم يسخطه، ولا قرت عينه إذا كان نور الحق يعشيه!!
وسوف ألفظ ذكرهم، بعد أن ضقت بهم، وكرهت معناهم ولفظهم!
أما بحثي هذا، فقد كان في صورته الأولى مقدمة مختصرة لكتابي (المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس: دراسة نظرية وتطبيقية على مرويات الحسن البصري) . جعلتها له مقدمة تأصيلية، أساساً أبني عليها، وقاضياً أحتكم إليها، فيما يعترضني من اختلافات ومذاهب.