وقد أكد كل من الرامهرمزي والحاكم ما ذكرناه آنفاً، من أن هذا القرن كان قد شهد بداية الضعف في علوم الحديث. حيث ذكرا أن سبب تصنيفهما لكتابيهما هو: ظهور بعض ملامح اختلال في طريقة طلب العلم، ناشىء عن ترفٍ علمي (عهد مثله ممن ورث إرثاً عظمياً) ، أدى إلى بروز بعض القصور في علوم الحديث النبوي ومصطلحه، بين أوساط فئام من طلبة الحديث (?) ، خلال هذا العصر، الذي عاش فيه الرامهرمزي والحاكم رحمها الله تعالى.
وأنا إذ أستدل بهذه المؤلفات الجامعة الجليلة في علوم الحديث، على بلوغ المصطلح أقصى غايات الشيوع والاستقرار في هذا العصر، إلى درجة التصنيف فيه وتقنينه = إلا أني أعبرها شهادة ـ لا تقبل الرد ـ للقرن الثالث الهجري خاصة = ببلوغ القمة في علوم الحديث ومصطلحه لأن النقطة التي تسبق بداية الانحدار ما هي إلا القمة، ولأن النكوص لا يكون إلا بعد بلوغ الغاية. وقد قررنا آنفاً أن القرن الرابع كان قد شهد أول بوادر الضعف في علوم الحديث، بل كان ذلك هو الداعي للتصنيف في علوم الحديث والتقعيد لها وشرح مصطلحاتها.
ثم إني أقف هنا: أولاً: لأن غرضي من هذا العرض، لا التأريخ لمصطلح الحديث التأريخ المجرد، وإنما هو تقرير أمرٍ مقرر، ببيان أن مصطلح الحديث بلغ قمة تطوره خلال القرن الثالث الهجري: العصر الذهبي للسنة. وكان يكفي لتقرير ذلك