فهذا واضح من الكلام، صريح لا لبس فيه، من الخطيب نفسه، بأن غاية عمله في كتابه الكفاية هو: شرح مذاهب سلف الرواة والنقلة!
هذا هو منهج الخطيب النظري الذي قرره في أول كتابه، وهو المنهج السليم لفهم مصطلح الحديث. لكن: هل تمسك الخطيب بهذا المنهج في كتابه؟
إن الخطيب البغدادي وهو من أهل القرن الخامس، وإن كان من أواحد عصره في علوم الحديث، إلا أنه لا يستطيع أن ينجو ـ تماماً ـ من أثر العلوم العقلية على علوم الحديث الذي توسع نطاقه في عصره، فهو ابن عصره!
وقد كنا ذكرنا في عرضنا اللتاريخي لعوامل التأثير من العلوم العقلية على العلوم النقلية، أن علم (أصول الفقه) كان له نافذتان للتأثير على علوم الحديث. نافذة مباشرة: بما درسته أصول الفقه من مباحث علوم السنة، ونافذة غير مباشرة: بما بثته كتب أصول الفقه ذات المنهج الكلامي المعتمد على المنطق اليواناني من أثر هذا المنهج، الذي تبرز ملالمحه في صناعة المعرفات المنطقية.
والخطيب البغدادي عرفناه من خلال كتابه (الفقيه والمتفقه) ، متأثراً بأصول الفقه. بل سائراً في كثيرٍ من مباحثه على خطى شيخه أبي إسحاق الشيرازي (إبراهيم بن علي بن يوسف الفيوزبادي الشافعي، المتوفى سنة 476هـ) في كتابه (شرح اللمع) ، ناقلاً عنه صراحة (?) ، أو من غير تصريح