وقال في (الوجه الثالث) من وجوه رد مزاعمهم حول المعرفات: ((إن المتكلمين بالحدود طائفة قليلة من بني آدم، لا سيما الصناعة المنطقية ... ومن المعلوم أن علوم بني آدم ـ عامتهم وخاصتهم ـ حاصلة بدون ذلك. فطل قولهم: إن المعرفة متوقفة عليها ... (إلى أن قال:) وكذلك الحدود التي يتكلفها بعض الفقهاء للطهارة والنجاسة، وغير ذلك من معاني الأسماء المتداولة بينهم. وكذلك الحدود التي يتكلفها الناظرون في أصول الفقه، لمثل الخبر والقياس والعلم، وغير ذلك = لم يدخل فيها إلا من ليس بإمامٍ في الفن! وإلى الساعة لم يسلم لهم حد!!)) (?) .
وقال بعد ذلك: ((فأما الأشياء المعلومة، التي ليس في زيادة وصفها إلا: كثرة الكلام، وتفيهق، وتشدق، وتكبر، والإفصاح بذكر الأشياء التي يستقبح ذكرها = فهذا مما نهي عنه، كما جاء في الحديث: ((إن الله يبغض البليغ من الرجال، الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة بلسانها)) (?) ... (إلى أن قال:) وعامة الحدود المنطقية هي في هذا الباب: حشو لكلام كثير، يبينون به الأشياء، وهي قبل بيانهم أبين منها بعد بيانهم. فهي مع كثرة ما فيها من تضييع الزمان وإتعاب الفكر واللسان، لا توجب إلا العمى والضلال، وتفتح باب المراء والجدال، إذ كل منهم يورد على حد الآخر من الأسئلة ما يفسد به، ويزعم سلامة حده ... )) (?) .