فبين بهذا أنه يحتاط للرواية ما لا يحتاطه في الشهادة.
بل وذكر الإمام الشافعي أمثلةً للقرائن التي ترفع إفادة (خبر الواحد) عن (شهادة العدلين) مما لا يتوفر مثلها إلا لـ (خبر الواحد) . فقال في (جماع العلم) : ((فإن كنت أمرت بذلك (يعني: تقديم الحكم الثابت بغير إحاطة على الثابت بإحاطة) على صدق الشاهدين في الظاهر، فقبلتهما على الظاهر، ولا يعلم الغيب إلا الله. وإنا لنظلب من المحدث أكثر مما نطلب من الشاهد، فنجيز شهادة بشرٍ لا نقبل حديث واحدٍ منهم. ونجد الدلالة على صدق المحدث وغلطه ممن شركه من الحفاظ، وبالكتاب والسنة؛ ففي هذا دلالات، ولا يمكن هذا في الشهادات)) (?) .
بهذا الكلام القاطع، يبين الإمام الشافعي قوة إفادة (خبر الواحد) العدل على إفادة (شهادة العدلين) مطلقاً، أي إفادة (خبر الواحد) نفسه دون القرائن. ثم أشار إلى بعض القرائن التي تحتف بـ (خبر الواحد) ـ ولا يمكن مثلها في (الشهادات) ـ فتقوي خبر الواحد، وتبلغه إلى درجة إفادة (العلم) في كثيرٍ من الأحيان.
هذا مع أنه يكن أن تحتف بـ (الشهادة) قرائن ـ يمكن مثلها في (خبر الواحد) ـ فتقوي (الشهادة) لتفيد العلم كذلك! فليس حكم الشهادة أنها تفيد (الظن) مطلقاً أيضاً!! وعلى هذا، فلو قاس الإمام الشافعي (
خبر الواحد) على (الشهادة) ، لكان القياس من هذه الجهة مقبولاً. لكن الشافعي لم يقس، ولم يرض هذا القياس! ولك أن تتفكر في سبب ذلك!!!