أما إذا قصد الرجل الصلاة عند بعض قبور الأنبياء والصالحين متبركا بالصلاة في تلك البقعة، فهذا هو عين المحادة لله ورسوله والمخالفة لدينه واتباع دين لم يأذن به الله، فقد أجمع المسلمون على أن الصلاة عند أي قبر كان لا فضل فيها لذلك، ولا للصلاة مزية في تلك البقعة أصلا بل مزية شر.
واعلم أن تلك البقعة وإن كان قد تنزل عندها الملائكة والرحمة ولها شرف وفضل، لكن دين الله بين الغالي فيه وبين الجافي عنه، فالنصارى عظموا الأنبياء حتى عبدوهم، واليهود استخفوا بهم حتى قتلوهم، والأمة الوسط عرفوا حقوقهم؛ ولأجل ذلك قال صلى الله عليه وسلم: لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح فلو قدر أن الصلاة هناك توجب رحمة أكثر من الصلاة في غيرها كانت المفسدة الناشئة تربي على هذا المصلحة حتى تغمرها وتزيد عليها، بحيث تصير الصلاة هناك مذهبة لتلك الرحمة، ومثبتة لما يوجب العذاب، ومن لم تكن له بصيرة يدرك بها الفساد الناشئ من ذلك، فيكفيه أن يقلد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه من المعلوم، أنه لولا أن الفساد أغلب من المصلحة لما نهي عن ذلك.
وليس للمؤمن أن يطالب الرسل بتبيين وجوه المصالح، وإنما عليه طاعته والسمع والطاعة، قال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ