وهَذَا لَوْنٌ آخَرُ في وَرَعِ القَوْمِ وعُلُوِّ هِمَمِهِم، وهو أنَّ يَحْيَى بنَ يَحْيَى اللَّيثيَّ فَقِيهَ الأنْدَلُسِ رَحِمَهُ الله لمَّا رَحَلَ إلى المَدِينَةِ النَّبوِيَّةِ ليَطْلُبَ العِلْمَ عِنْدَ الإمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ الله، فَبَينَما هُوَ جَالِسٌ إذْ مَرَّ عَلى بَابِ مَالِكٍ الفِيلُ!
فَخَرَجَ كُلُّ مَنْ كَانَ في مَجْلِسِهِ لِرُؤْيَةِ الفِيلِ، سِوَى يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وبَقِيَ مَكَانَهُ!
فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: لِمَ لا تَخْرُجُ فَتَرَى الفِيلَ؛ لأنَّه لا يَكُوْنُ في الأنْدَلُسِ؟
فَقَالَ يَحْيَى: إنَّما جِئْتُ مِنْ بَلَدِي لأنْظُرَ إلَيكَ، وأتعَلَّمَ مِنْ هَدْيِكَ وعِلْمِكَ، ولم أجِئ لأنْظُرَ إلى الفِيلِ، فأُعْجِبَ بِهِ مَالِكٌ، وسَمَّاهُ: عَاقِلَ الأنْدَلُسِ (?)!
فافَهَمْ هَذَا أيضًا، وإلَّا تجاوَزْهُ، فالعُقُوْلُ قَاصِرَةٌ، والِهمَمُ مُتَقَاصِرَةٌ، والله المُسْتَعَانُ وعَلَيهِ التُّكلانُ!
* * *