وللإجابة على هذا السؤال. لم يكن عندي إلا دراسة السيرة دراسة واضحة تحدد المراحل المتتابعة فيها، وسمات كل مرحلة. لأن السيرة النبوية هي التطبيق العملي للإسلام، وهي الصورة الأنموذج لإقامة دولة الإسلام. فإذا توضحت هذه المراحل، وتبينت هذه السمات، كقينا المؤونة، وتوحد خط السير، وانتفى دور الاجتهاد الشخصي:
لكن يبرز سؤال دقيق:
ما هو مدى إلزامية هذه المراحل وهذه الوسائل، للجماعة المسلمة وهي تشق طريقها لإقامة دولة الإسلام في الأرض؟ وهل الحركة الإسلامية متعبدة بهذه المراحل ما لها من فكاك عنها. أم أن تلك المراحل قد انتهت مع النصوص النهائية للإسلام، وأصبحت منسوخة هي وأحكامها في الواقع الإسلامي.
ولا يخفى أبدا إن خلافا كبيرا بين حركتين إسلاميتين حول هذا الموضوع جعل كل واحدة منهما تسير في خط مستقل، وذلك من خلال هذين الفهمين:
الفهم الأول: يرى أن التقيد بهذه المراحل لا مناص منه حتى في الحد الزمني. وهي تقرر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاش دعوة ثلاثة عشر عاما. ثم أقام دولته، فهي مقيدة بهذا العمر من الدعوة. وعليها أن تقيم دولة الإسلام بعد ثلاثة عشر عاما من عمرها. وهذا فهم خطير ولا شك، فالمدى الزمني في الأصل تقدير رباني، وليس جهدا بشريا فقط، والله تعالى قد قال لنبيه: {فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم}. الزخرف 41 - 43. ومن آثار هذا الفهم كذلك موضوع النصرة، وأنه لا يجوز استعمال السلاح قبل قيام الدولة، إنما تقوم الدولة على أساس طلب النصرة من سدنة المجتمع الجاهلي. وإلى أن يفتح صدر أحد هؤلاء للدعوة أو لنصرة هذه الدعوة وهو على شركه. فالحركة الإسلامية معذورة في المواجهة المسلحة، وقد أدى حمل هذين المبدأين معا، العمر الزمني والنصرة إلى تناقض عجيب في