لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب، ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن أعبدوا الله ربي وربكم) (?).
ولئن بقيت النصرانية بعد عشرين قرنا تعاني من هذه الوثنية، وتعاني من هذا الشرك فلقد استطاع الصديق الأكبر والخليفة الأول أن يحل المشكلة منذ لحظاتها الأولى بهذا البيان الحاسم فعبادة البشر تنتهي بموتهم، أما عبادة الله تعالى فلا تنتهي حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها. وهكذا ظهر أثر التربية العظيمة، والإيمان الثابت في أعظم المحن التي يتزلزل لها الأبطال وأعاظم الرجال حين تم الفصل بين المبدأ والقائد ويبقى المبدأ هو الثابت وعليه يتلاقى الناس أو حين لم يتمكن الفاروق الأكبر رضي الله عنه أن يصمد أمام هول الصدمة التي هي وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - تمكن الصديق رضي الله عنه أن يجنب المسلمين فتنة ما بعدها فتنة، وبقي الإسلام على مدى خمسة عشر قرنا من الزمان دين الوحدانية أو لا يوجد في هذا الوجود بهذا التوحيد غيره، وأن يصدر هذا الصبر من أبي بكر بالذات الذي كان خدن النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى قبل البعثة، ولم تجمح العاطفة به هذا الجموح الذي يجعله يستسلم لها بل شعر بأن مسؤولية الأمة في عنقه فما يجدي البكاء في لحظات العاصفة وهو يحس بأعماقه في هذه المسؤولية حين جعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خليفته من بعده في الصلاة على المسلمين.
والدرس المهم للحركة الإسلامية من هذا الحدث هو أنه لا توجد قيادة في الأرض يحق لها أن تفتن المسلمين، لأن كل امرىء يؤخذ من كلامه ويرد إلا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الذي يوحى إليه من رب العالمين فأي قائد يحق له أن يستأثر بالأمة بحجة أن الأمة تنهار بانهياره.
نحن لا ننكر أبدا دور القيادة في الأمة، ونعلم أن كثيرا من الأمم تنهار بانهيار رجالاتها وأبطالها لكننا نحن الأمة المسلمة بالذات، حين نكون على مستوى هذا الدين، ومستوى هذه العقيدة لا يحوز أن يهز كياننا سقوط أية قيادة باستشهاد أو اعتزال أو عزل لأن العاصم لنا من الفتنة هو هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
هذا من جهة ومن جهة ثانية يحسن أن نعذر شباب الدعوة حين يتزلزلون من فقدان قائدهم الذي علقوا آمالهم به فإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين مات تزلزل عمر رضي الله عنه فمن هو أكبر من عمر في جيلنا حتى لا يصيبه هذا الزلزال.
صحيح أنه لا مقارنة بين فقدان أي قائد في هذا الوجود وبين فقدان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن كل قواد الأرض قد يخطئون ويزلون، وتخونهم الحكمة، أما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو صلة الأرض بالسماء،