والموت فيتزاحمون إلى البيعة حتى لا يبقى متاع إلا وطئوه.

لقد أصبح الصف الإسلامي من القوة والتلاحم بحيث نكاد نقول أن النفاق قد انتهى منه.

وحين نذكر أن المنافقين كانوا بضعة عشر في غزوة الأحزاب، فها نحن لا نجد وجودا لهم في الحديبية.

إن الصورة الواقعية في عالم الأسباب تقول أن لا يستجيب للبيعة على الموت والمواجهة إلا أفراد قلائل. لأن القوم لم يخرجوا للقتال، وقائدهم أكد لهم أن خروجه للعمرة، ولم يعدوا سلاحا لذلك، وما نعلمه عن عالم الأحزاب اليوم في مثل هذه الحالة أن يغتال القائد ويحاكم بتهمة توريط الجيش في الهلاك. أما أن يسارع الجيش كله للبيعة ويتزاحم عليها. فهذا يعني أن النفاق في هذه المرحلة قد ولى كأمس الدابر، وأن ينفرد رجل واحد من هذا الجيش فيختبىء بظل بطن ناقته ولا يبايع، وأن يكون عبد الله بن أبي من بين المبايعين. فهذا يعني أن الجيش الإسلامي قد تجاوز أزمته. وأجهز على عناصر الضعف فيه.

ونذكر مع هذا الالتزام العجيب النسوة الأربع اللاتي شاركن الحملة. فقد شاركن في البيعة كذلك، وكأني بأم عمارة رضي الله عنها، وقد التمع بعينيها بريق أحد بعد أن تسلحت بعمود البيت وشدت السكين على وسطها وجددت بيعتها كما بايعت يوم العقبة. لتكون مع الصف المسلم المقاتل وهؤلاء النسوة القليلات هن اللاتي شددن نظر عروة بن مسعود، وكان مما قاله لقريش: (رأيت نسيبات معه. إن كن ليسلمنه أبدا على حال) (?).

ولم يفكر جندي واحد من هذا الصف القوي أن يعتب على قائده عليه الصلاة والسلام الذي يطلب منه الآن البيعة على الموت، وقد جاء به إلى العمرة ومنعه أن يهيء سلاحه.

ومن قوة هذا الالتزام كذلك أن نجد عبد الله بن أبي الذي جاءه وفد خاص من قريش يدعونه ليدخل مكة ويطوف بالحرم، وكان بإمكان ابن أبي أن يهتبل الفرصة. ويطوف بالكعبة في عز حراب قريش. لكن ظل ابنه عبد الله والموقف الرهيب الذي وقفه منه يوم المريسيع ووضع السيف على عنقه آنذاك عاد فارتسم أمامه. وابنه يذكره بالله فما كان من زعيم النفاق إلا أن رضخ لهذا الجو العام، وأحنى رأسه للعاصفة وقال: لا أطوف حتى يطوف رسول الله.

وهذا درس عظيم للجماعة المسلمة تتعلم منه أصول الانضباط والسمع والطاعة للقيادة.

وكانت البيعة هي محك الرجال فلم يتخلف منهم أحد بل سارع النساء إليها كذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015