وها هما الصورتان متقابلتان صورة الصف المسلم الملتحم القوي المصمم على الثبات، وصورة الصف المتناقض في الرأي والمهزوم نفسيا في أعماقه من هؤلاء المئات القلائل.
سادسا: وكانت الصورة المقابلة التي لا بد أن يقوم بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو أن يبعث بسفير من عنده يسمع مباشرة من قريش وينقل لهم وجهة نظره حتى لا تلتبس الأمور فكان. (وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قريش خراش بن أمية على جمل لرسول الله (س) ليبلغ أشرافهم أنه إنما جاء معتمرا. فعقر الجمل عكرمة بن أبي جهل وأرادوا قتله فمنعه من هناك من قومه فرجع فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه فخاف على نفسه، وأشار بعثمان رضي الله عنه. فبعثه ليخبرهم: إنا لم نأت لقتال أحد، وإنما جئنا زوارا لهذا البيت معظمين لحرمته، ومعنا الهدي ننحره وننصرف فأبوا على عثمان أن يدخل عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورحب به أبان بن سعيد بن العاص وأجاره، وحمله من بلده إلى مكة وهو يقول، أقبل وأدبر ولا تخف أحدا بنو سعيد أعزة الحرم، فبلغ عثمان من بمكة ما جاء فيه، فقالوا جميعا: لا يدخل علينا محمد عنوة أبدا .. وبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد إقامة عثمان بمكة ثلاثا أنه قتل، وقتل معه عشرة رجال مسلمون قد دخلوا مكة بإذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليروا أهاليهم .. وأم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منازل بني مازن بن النجار، وقد نزلت في ناحية من الحديبية جميعا، فجلس في رحالهم وقد بلغه قتل عثمان رضي الله عنه، ثم قال: إن الله أمرني بالبيعة فأقبل الناس يبايعونه حتى تداكو. فما بقي لهم متاع إلا وطئوه ثم لبسوا السلاح وهو معهم قليل. وقامت أم عمارة إلى عمود كانت تستظل به فأخذته بيدها، وشدت سكينا في وسطها وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبايع الناس وعمر بن الخطاب رضي الله عنه آخذ بيده فبايعهم على ألا يفروا، وقيل بايعهم على الموت .. فبايعوه إلا الجد بن قيس اختبأ تحت بطن بعير .. وبعثت قريش إلى عبد الله بن أبي بن سلول: إن أحببت أن تدخل فتطوف بالبيت فافعل فقال له ابنه: يا أبت أذكرك الله أن تفضحنا في كل موطن، تطوف ولم يطف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبى حينئذ وقال: لا أطوف حتى يطوف رسول الله فبلغ رسول الله كلامه فسر به) (?).
الحرب بين الفريقين قائمة، وخراش بن أمية الخزاعي يقابل بديل بن ورقاء الخزاعي فخزاعة مسلمهم ومشركهم عليه نصح لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي مع قريش كذلك. ومن أجل هذا وجد من يمنعه من قومه عندما تعرض للقتل.
وكانت الشخصية الثانية المرشحة للسفارة هي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولعل ما نزل بخراش من جهة وحقد قريش على عمر رضي الله عنه من جهة ثانية وكون شوكة بني عدي في مكة ضعيفة كل هذه العوامل حدت بعمر رضي الله عنه أن يبسط عذره بين يدي قائده