النموذج الثالث: وقصدت به قريشا أن تعلم محمدا أن قريشا ليست وحدها في المعركة، بل معها القبائل المجاورة لمكة. فالحليس بن علقمة سيد الأحابيش (?). ولم تفت هذه القضية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال للمسلمين: إن هذا من قوم يتألهون (?) فابعثوا في وجهه الهدي حتى يراه، فلما رأى الهدي. رجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إعظاما لما رأى. فقال لهم ذلك. فقالوا له: اجلس فإنما أنت أعرابي لا علم لك.
وغضب الحليس عند ذلك وقال: يا معشر قريش والله ما على هذا حالفاكم، ولا على هذا عاقدناكم، لتخلن بين محمد وما جاء له أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد، فقالوا له: مه، كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به.
والدلالة في هذا النموذج صارخة على العبقرية العظيمة للنبوة حين صرف سيد الأحابيش وقد تبنى رأيه بالعمرة دون أن يلقاه، وكاد صف مكة الداخل أن يتفجر وتقع المواجهة بين الأحابيش وقريش لولا أن تداركت قريش الأمر وأصلحته مع الرجل، ومع ذلك فقد أصبح في صف مكة تيار قوي، أعلن عن رأيه بضرورة السماح لمحمد - صلى الله عليه وسلم - بالاعتمار، وهدد بالسلاح ما لم يتم تنفيذ ذلك، وقد تم هذا الأمر حتى دون لقاء بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسيد الأحابيش. بحسن اختيار الأسلوب المناسب الذي يفهم به هذا الرجل، وهو بعث الهدي في وجهه.
النموذج الرابع: وقصدت به قريشا حربا نفسية كذلك لمحمد وأصحابه لتعلمه أن ثقيفا مع قريش حليفة في هذه المواجهة. فبعثت بأذكى وأدهى ما عندها ليفت في أعضاد أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، وكان تخطيط قريش أن مجرد رؤية عروة بن مسعود زعيم ثقيف يأتي ممثلا لقريش في هذه المفاوضات كفيل بأن يزلزل هذا الصف المتين. فكيف إذا استعمل خبثه ودهاءه. ولننظر إلى هذه الحرب السياسية من المنتصر فيها في نهاية المطاف.
(خرج حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجلس بين يديه ثم قال:
يا محمد: أجمعت أوشاب (?) الناس ثم جئت بهم إلى بيضتك (?) لتفضها (?) بهم، إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمور، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبدا وايم الله، لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا، قال: وأبو بكر الصديق خلف رسول