وقيل لهم: أن الله تعالى يأمرهم أن يشهدوا لأنفسهم بالإيمان، فإن الإيمان فرض لله تعالى على عباده، فإذا التزموه فإنما يشهدون به على أنفسهم، كما قال جل وعز: {كونوا قوامين بالقسط، شهداء لله ولو على أنفسكم} ولا يشهدون به لأنفسهم، بل لله تعالى ينبغي أن يشهد به لهم، ليعلموا أنه قد يقبل منهم. وإذا بطل هذا، فالجواب:- وبالله التوفيق- أنه أمرهم أن يصفوا إيمانهم لخصومهم، وهم اليهود والنصارى، ويعلموهم أن إيمانهم: محمد صلى الله عليه وسلم قصد إلى شقاقهم وخلافهم، لكن لأنه نبي، والتفريق بين أنبياء الله ورسله في الإيمان بهم غير جائز، فإنهم قد آمنوا بعيسى وموسى ولم يمنعهم من الإيمان بهما، إنهم لا يؤمنون بنبيهم، فلو كان القصد إلى الشقاق دون التدوين لم يكن منهم هذا.
ثم قال: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتك به فقد اهتدوا} أي فإن آمنوا بنبيكم وبعامة الأنبياء ولم يفرقوا بينهم كما لم يفرقوا، فقد اهتدوا، وإن أبوا إلا التفريق فهم الناكبون عن التدبر إلى الشقاق، فسيكفيهم الله وهو السميع العليم. فهذا معنى الآية، وليس فيها بيان أن الإيمان الذي أمروا به أن يصفوا به أنفسهم، فإذا كان وما حده؟ وما حقيقته؟ وإذا كانت هذه الآية خطابا لقوم قد اعتقوا الحق وأقروا به، وصلوا وصاموا وعبدوا الله تعالى بضروب من العبادات، وقابلوا أوامره ونواهيه بالطاعة، فهم إذا قالوا آمنا بالله وما أنزل إلينا اشتمل ذلك عندنا على كل طاعة وجدت منهم إلى ذلك الوقت.
فإن خالفنا الرجل في ذلك وقال: أنه لا يشتمل على الإقرار والاعتقاد، فلهم على قوله دليل، فإنا له فيما قال مخالفون، وله بالدلالة عليه مطالبون.
فإن قال القائل على ذلك، لمنه جل وعز قال: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا}. ومعلوم أنهم لو شهدوا شهادتي الحق لكانوا مؤمنين مهتدين، فظهر بذلك أنه لم يدخل في قوله عز وجل: {قولوا آمنا بالله} إلا شهادة الحق.
قيل لهم: إنما يكونوا مهتدين إذا أدوا ما عليهم، إلا أنهم إن شهدوا شهادتي الحق، لم يتراكم عليهم في ذلك الفوز الفرائض كلها، وإنما تجب شيئا فشيئا. فإذا أدوا في أول