فصل
فأما الكوائن يوم القيامة قبل الحساب، فقد قال الله عز وجل: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم. يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد}.
وقال جل ثناؤه {بسم الله الرحمن الرحيم. إذا زلزلت الأرض زلزالها، وأخرجت الأرض أثقالها. وقال الإنسان مالها. يومئذ تحدث أخبارها. بأن ربك أوحى لها. يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}.
والذي يثبت بسياق الآيات وشواهدها أن هذه الزلزلة إنما تكون بعد إحياء الناس وبعثهم من قبورهم، لأنه لا يراد بها إلا إرغاب الناس والتهويل عليهم، فينبغي أن يشاهدوها، ويعلموا أنها لهم ليفرغوا منها، ويهولهم أمرها ولا يمكن المشاهدة منهم وهم أموات.
ولأنه عز وجل قال: {يومئذ تحدث أخبارها} أي تخبر بما حمل عليها من خير وشر، يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم، فدل ذلك على أن هذه الزلزلة إنما تكون والناس أحياء. واليوم يوم الجزاء، ولأنه عز وجل قال: {فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة، فيومئذ وقعت الواقعة، وانشقت السماء، فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها، ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية}.
فدلت هذه السورة أيضا على أن اصطدام الأرض والجبال الموجب لابد حال زاويتها وبنيانها، وتلالها وجبالها وأشجارها. إنما تكون يوم القيامة، والعرض لا يكون إلا بعد الأحياء، فثبت أن هذه الكوائن إنما تكون بعد النشأة الثانية، والله أعلم.
وإذا كان ذلك كذلك، فالمعنى- والله أعلم- إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت