عيسى بشرا سويا في رحم مريم، ثم أمر جبريل فنفخ الروح فيها. لكن إذا وصل الروح المنفوخ إلى عيسى يحيى، فكانت فضيلة عيسى بأن الله تعالى جده خلقه لا من تراب. ثم بأن نفخ فيه الروح، كان من الروح الأمين الرسول الكريم، لا من بعض الأملاك الموكلين بالأرحام.
والوجه الآخر: إن جبريل عليه السلام نفخ في مريم عليها السلام، وهي غير حامل فحملت عند وصول نفخته إلى رحمها، وتكون نفخة جبريل في هذا الوجه كالرياح التي وصفها الله تعالى بأنها لواقع، فإذا جاز أن تلقح الريح الشجر، فيكون لها منه حمل، جاز أن يجعل الله بنفخة ملك وهي في الحقيقة ريح لاقحة، لا نبيا من ولد آدم، فتكون منها لها حمل.
ومن قال هذا، قال: ألا ترى أن الله عز وجل قال بعد اقتصار هبوط جبريل عليها، ومخاطبته إياها فحملته. فدل ذلك على أنها من قبل لم تكن حاملا، فيكون أثر جبريل نفخ الروح في الحمل فقط. ومن قال بالوجه الأول، قال: إنما قال: {حملتهن فانتبذت به مكانا} فأراد إنما حملته من ذلك المكان إلى مكان آخر لأنها حملته وهو في رحمها ولم يرد به الحمل الذي هو المعلق والله أعلم.
فصل
وإذا أحيى الله تبارك وتعالى الناس كلهم، قاموا بمجلس ينظرون ما يراد بهم، لقوله: {ثم نفخ فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون} وقد اخبر الله عز وجل عن الكفار إنهم يقولون: {يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا} وإنهم يقولون: {يا ويلنا هذا يوم الدين} فتقول الملائكة: {هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون}. ثم يعرض الجميع إلى موقف العرض والحساب وهو الساهرة.
قال الله عز وجل: {فإنما هي زجره واحدة، فإذا هم بالساهرة}. وجاء