والحالة الثانية. حال السوق إلى موضع الحساب، وفي هذه الحال أيضا أبحواس تامة يقول الله عز وجل: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فأهدوهم إلى صراط الجحيم، وقفوهم إنهم مسئولون}. ومعنى فأهدوهم دلوهم عليه، ولا دلالة للأعمى الأصم، ولا سؤال الأبكم، فثبت أنهم يكونون بأسماع وأبعاد وألسن ناطقة.

وأما الحالة الثالثة: وهي حالة المحاسبة فإنهم يكونون فيها أيضا كاملي الحواس ليسمعوا ما يقال لهم، ويقرأوا كتبهم الناطقة بأعمالهم، وتشهد عليهم جوارحهم بسيئاتهم، فيسمعوها، وقد أخبر الله عز وجل أنهم يقولون: {مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها}، وإنهم يقولون لجلودهم لم شهدتم علينا وليشاهدوا أهوال القيامة وما كانوا مكذبين في الدنيا به من شدتها، ويصرف الأحوال بالناس فيها.

وأما الرابعة: وهي السوق إلى جهنم، فإنهم يسلبون فيها أسماعهم وأبصارهم وألسنتهم وعلى ذلك يوردون جهنم، لقوله عز وجل: {ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما، مأواهم جهنم} ويحتمل أن يكون قوله عز وجل: {يعرف المجرمون بسيماهم}. فيؤخذ بالنواصي والأقدام، إشارة إلى ما يشرعون به من سلب الأسماع والأبصار والنطق.

والحالة الخامسة: حال الإقامة في النار، وهذه الحالة تنقسم إلى بدء ومآل. قيدوها أنهم إذا قطعوا المسافة بين موقف الحساب وشفير جهنم عميا وبكما وصما بإذلالهم وبشيرا عن غيرهم ردت الحواس إليهم ليشاهدوا النار وما أعد لهم فيها من العذاب، ويعاينوا ملائكة العذاب، كل ذلك مما كانوا مكذبين به، فيستقرون في النار ناطقين سامعين مبصرين.

ولهذا قال الله عز وجل {وتراهم يعرضون علها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي}.

وقال عز وجل: {ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا: يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015