لأن ذلك من ذي الشفاعة للمشفوع عنده، وإقامة الشفيع بذلك من المشفوع له، فلا يوم أليق به وأشبه بأحواله من بيوم الدين.

فأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يا بني عبد مناف اشتروا أنفسكم من الله، فإني لا أغني عنكم من الله شيئا". فقد يخرج على أن يكون نهاهم عن التقصير في حقوق الله اتكالا على أنهم عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعلهم لا يسألون عما يعملون لأجله. فأخبرهم أن أفضالهم به لا يسقط عليهم تقلب أعمالهم، وإنهم مسئولون ومحاسبون كغيرهم، وأمرهم بعد ذلك إلى الله تعالى إن شاء عذبهم وإن شاء عفا عنهم، ولم يرد به أن لا يشفع لهم، وليست الشفاعة أغنى عنهم من الله شيئا، لأن الشفاعة فيما بينا ليس بمرحبة، فكيف يتوهم أن تكون الشفاعة عند الله تعالى مرحبة وبالله التوفيق.

وأما قولهم أن الشفاعة ولكنات واقعة لأصحاب الكبائر فيه لما جاز أن يخبر بها لما في ذلك من تجربة الخاطئين في خطاياهم. فجوابه: أنه ليس في إخبارهم بذلك إلا ما في أخبارهم بأن من قضى شهواته كلها دهرا طويلا ثم تاب إلى الله تعالى توبة صحيحة، صحت بتلك الميزة عنه في تلك الساعة جميع الأوزار، وصار كيوم ولدته أمه. فإن كان هذا جائزا، والأخبار به جائزا مثله، فلم لا جاز أن تكون الشفاعة والأخبار بها جائزين؟.

فإن قال: لا تجزئه في منزل التوبة وإحباط الخطايا، لأن الخاطئ لا يعلم من نفسه أن التوبة تنفعه له أو لا تنفعه: فيل له: والخاطئ لا يعلم أن الشفاعة تناله أو لا تناله. فإن الخاطئين كلهم لا يسلمون من النار إنما يسلم منها بعضهم وبالله التوفيق.

فإن قال قائل: الشفاعة حق، ولكنكم تضعونها في غير موضعها، وإنما هي لصاحب الكبيرة، والمنهك في الخطيئة إذا مات، قم أخبرهم، من قريب توفي في القيامة، وليس وراء الإيمان عمل صالح فيشفع النبي صلى الله عليه وسلم له إلى الله تعالى ليحسن إليه منتدبا أن كان لا يستحق أن يحسن إليه جازيا ومشيئا.

فالجواب: أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي". تأبى هذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015