جعل الله تعالى القرآن لرسوله صلى الله عليه وسلم دعوة وحجة، إلا أنه دعوة لمعاينة حجة لألفاظه ونظمه، وحسب الدعوة شرفا أن تكون الحجة نفسها، وحسب الحجة قوة أن لا تتميز الدعوة عنها.
ومن خصائص القرآن ان الله تعالى جعل معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم باقية إلى يوم القيامة، وذلك لنفاذ عودته إلى يوم القيامة.
وأما سائر الرسل فكانت إيمانهم تبقى قدر ما تلزم بها الحجة .. لا يوجد منها إلا ذكرها وبناؤها. وهذا مما أكرم الله بها نبينا صلى الله عليه وسلم، ثم أن له عليه السلام وراء القرآن من الآيات الباهرة إجابة الشجرة إياها لما دعاها، وتكليم الذراع المسمومة إياه، وازدياد الطعام لأجله حتى أصاب منه بأس عظيم، وخروج الماء من بين أصابعه في المخضب حتى توضأ منه ناس كثير، وجبر الجذع وظهور صدفة في معينات كثيرة أخبر عنهها وغير ذلك مما قد ذكر ودون.
وفيث الواجد منها كفاية، غير أن الله عز وجل لما جمخع له من أمرين: أحدهما بعثة إلى الإنس والجن عامة، والآخر ختم النبوة به، ظاهر له بين الحجج حتى شذت واحدة عنه فريق بلغتهم أخرى، وإن لم تنجع واحدة نجعت الأخرى، وإن درست على الأيام واحدة بيقيت أخرى، ولله في كل حال الحجة البالغة، ولله الحمد على نظره ورحمته لهم كما تستحقه.
ذكر الكهانة
قال الله عز وجل: {إنه لقول رسول كريم، وما هو بقول شاعر، قليلا ما تؤمنون، ولا بقول كاهن، قليلا ما تذكرون}.
فإن قال قائل: ما الدليل على أن نبيكم لم يكن كاهنا؟ أرأيتم لو قيل لكم: أن الكهانة كانت فاشية في العرب وتحاكمهم إلى ظاهرا وقد علم ان الجن تقدر من الصناعات ما لا يقدر عليه الإنس، وقد وصفهم الله عز وجل بذلك، فقال في قصة سليمان